في السابع عشر من نيسان/ أبريل 2012، أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تقريراً مفصلاً عن الإنفاق العسكري العالمي في العام 2011، أفاد بأن هذا الإنفاق تجاوز 1.7 تريليون دولار، بالأسعار الثابتة لعام 2010. وعليه، يكون إنفاق العام 2011، قد سجل ارتفاعاً محدوداً، قدره 0.3% قياساً بعام 2010، منهياً بذلك سلسلة من الزيادات السنوية الكبيرة، التي سادت الفترة بين عامي 1998 - 2010، بما في ذلك متوسط زيادة سنوية قدرها 4.5% بين عامي 2001 - 2009. على الرغم من أننا قد نرى مزيداً من الهبوط في الموازنات العسكرية في الولاياتالمتحدة وأوروبا في السنوات القليلة القادمة، إلا أن الاتجاه لا زال تصاعدياً في كل من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. كما أن أية حرب رئيسية جديدة قد تغير الصورة الراهنة بشكل كبير وربما يكون من السابق لأوانه القول بأن اتجاه الإنفاق العسكري في العام 2011 يُمثل تغييراً على المدى الطويل. وعلى الرغم من أننا قد نرى مزيداً من الهبوط في الموازنات العسكرية في الولاياتالمتحدة وأوروبا في السنوات القليلة القادمة، إلا أن الاتجاه لا زال تصاعدياً في كل من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. كما أن أية حرب رئيسية جديدة قد تغير الصورة الراهنة بشكل كبير. ويعتبر الشرق الأوسط المنطقة من مناطق العالم التي نما فيها الإنفاق العسكري خلال العام 2011، على الرغم من أن غياب البيانات الخاصة بدول مثل إيران والإمارات العربية المتحدة يجعل إجمالي الإنفاق في الإقليم غير واضح إلى حد كبير. ويشير الإنفاق العسكري إلى الإنفاق الحكومي على القوات والأنشطة العسكرية، بما في ذلك الرواتب، والنفقات التشغيلية، ومشتريات الأسلحة والمعدات، والبناء والتشييد العسكري، والبحوث والتطوير، والإدارة المركزية، والقيادة والدعم. وليس هناك من طرق ووسائل مجمع عليها لحساب حجم الإنفاق العسكري للدول، وما هي طبيعة البنود التي يجب أن يشملها. وغالباً ما يكون هناك خلط بين الإنفاق الدفاعي العسكري، والإنفاق الأمني العام، الذي يشمل كذلك الإنفاق على قضايا الأمن الداخلي. وهناك بعض الدراسات التي تأخذ بالأمرين معاً، في حين تنأى غالبية المؤسسات البحثية عن فكرة الجمع هذه. في مؤشرات الإنفاق العسكري لعام 2011، استحوذت الولاياتالمتحدة على 41% من إجمالي الإنفاق العالمي، كما استحوذت الصين على 8.2% وروسيا 4.1%، وبريطانيا 3.6%، واليابان 3.4%، والهند 2.8% وألمانيا 2.7%. واستحوذت أميركا الشمالية على 42.4% من الإنفاق العسكري العالمي، واستحوذ غرب ووسط أوروبا على 18.8%، والشرق الأوسط 7.1%، وأوروبا الشرقية 4.6%، وأميركا اللاتينية 4.2% وأفريقيا 2%. وارتفع الإنفاق العسكري في شرق أوروبا بنسبة 10.2% عام 2011، وفي أفريقيا بنسبة 8.6%، والشرق الأوسط 4.6%، وآسيا والأوقيانوس 2.4%. في المقابل، تراجع الإنفاق العسكري في أميركا اللاتينية بنسبة 3.3%، وفي غرب ووسط أوروبا 1.9% وأميركا الشمالية 1.2%. وانخفض الإنفاق العسكري في الولاياتالمتحدة بنسبة 1.2% بالقيمة الحقيقية (أو حوالي 8.7 مليارات دولار). وهو أول انخفاض من نوعه منذ العام 1998. وسيبقى استمرار انخفاض الإنفاق العسكري الأميركي مرجحاً، نظراً لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وانسحابها المزمع من أفغانستان. كذلك، شهد العام 2011، خفضاً في الميزانيات العسكرية لكل من البرازيل وفرنسا وألمانيا والهند وبريطانيا. وكان ذلك في معظم الحالات جزءاً من محاولات الحد من العجز في الموازنة العامة. وحدثت تخفيضات كبيرة في كل من اليونان وإسبانيا وايطاليا وأيرلندا. كما حدثت تخفيضات حادة في معظم بلدان أوروبا الوسطى. وهبط الإنفاق العسكري في مجموع دول غرب ووسط أوروبا بنسبة 1.9%، نتيجة التدابير التقشفية. قابلتها زيادة كبيرة في أوروبا الشرقية بلغت 10.2%. وجاءت نسب التخفيضات الكبيرة في أوروبا على النحو التالي: اليونان (26% منذ عام 2008)، اسبانيا (18%)، إيطاليا(16%)، أيرلندا (11%) وبلجيكا (12%). في المقابل، لم تشهد ثلاث أكبر دول من حيث الإنفاق العسكري في غرب أوروبا، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، سوى تخفيضات متواضعة لم تتجاوز أي منها 5%. وعلى الرغم من ذلك، تعتزم كل من بريطانيا وألمانيا إدخال مزيد من التخفيضات في خطط الإنفاق العسكري في السنوات القادمة، من المقرر أن تبلغ في بريطانيا 7.5%، في العام 15/2014. وخالفت بعض بلدان غرب أوروبا الاتجاه السائد. منها النرويج، التي واصلت زيادة الإنفاق العسكري، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط. في شرق أوروبا، قدمت أذربيجان أكبر زيادة عالمية في الإنفاق العسكري عام 2011، بواقع 89%. كما زاد الإنفاق العسكري في بولندا، التي تسعى لأن تصبح مشاركاً نشِطاً في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي روسيا، زاد الإنفاق العسكري بنسبة 9.3%، وبلغ مجموعه 71.9 مليار دولار عام 2011، ما جعل البلاد ثالث أكبر منفق عسكري في العالم، متقدمة على كل من بريطانيا وفرنسا. في أفريقيا، تُعزى معظم الزيادة الجديدة في الإنفاق العسكري إلى الجزائر، التي زادت موازنتها العسكرية ب 2.5 مليار دولار. ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف بشأن الأوضاع السائدة في ليبيا. من جهة أخرى، تواصلت الزيادة في الإنفاق العسكري عام 2011 في منطقة آسيا والأوقيانوس. وبلغت نسبتها 2.3%. لكنها جاءت، كما في العام 2010، أبطأ مما كانت عليه في السنوات الأخيرة، بين عامي 2000 - 2009، حيث كان معدل الزيادة السنوية 6.3%. ويقف ارتفاع الإنفاق العسكري في الصين خلف الزيادة المسجلة على صعيد منطقة آسيا والأوقيانوس عام 2011، إذ بلغت الزيادة في الإنفاق الصيني 6.7% بالقيمة الحقيقية. أو ما يزيد قليلاً على ثمانية مليارات دولار. وفي مجموع الدول الأخرى في آسيا والأوقيانوس، انخفض إجمالي الإنفاق العسكري بنسبة 0.4% على الرغم من أن ذلك يعكس نمطا مختلطا من الزيادة والنقصان، في إطار مجموع الدول. وقد زادت الصين من إنفاقها العسكري بنسبة 170% بالقيمة الحقيقية منذ العام 2002. وبنسبة تزيد على 500% منذ العام 1995. ووفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد بلغ الإنفاق العسكري الصيني 143 مليار دولار في العام 2011. وظلت نسبة هذا الإنفاق مستقرة عند حوالي 2%، قياساً للناتج القومي الإجمالي، وذلك منذ العام 2001. وفي 24 آب/ أغسطس 2011، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في التقييم السنوي الذي تجريه للجيش الصيني، إن الصين في الطريق فيما يبدو لبناء جيش حديث، يُركز على الجوار الإقليمي بحلول العام 2020. وقال التقرير إن حاملات الطائرات التي تنتج محلياً في الصين لن تعمل قبل العام 2015 على الأقل، إذ بدأ تصنيعها عام 2011. وقد دشنت الصين أول حاملة طائرات لها، في آب/ أغسطس 2011. وهي حاملة طائرات سوفياتية أعيد تجهيزها. وهناك نزاعات إقليمية غير واضحة الأفق تدور في بحر الصين الجنوبي، الذي يحوي مصادر مؤكدة للنفط والغاز الطبيعي ومعادن ثمينة. وعدد من الجزر الصغيرة، تتنازع على ملكية بعضها كلّ من الصين، فيتنام، بروناي، ماليزيا، الفلبين وتايوان. وأبرز هذه الجزر هي جزر (Spratly) و(Paracel)، وهي غنية بالنفط والغاز. كما أنها تمتد على جانبي خط الملاحة الخاص بواردات الطاقة القادمة إلى شرق آسيا. وعلى الرغم من ذلك، قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن سباق تسلح في المنطقة، لأن تحليل البيانات يكشف عن نمط مختلط من اتجاهات الإنفاق العسكري وحيازة الأسلحة. بيد أنه يُمكن القول، في الوقت نفسه، إن زيادة التسلّح الصيني تُعد مسؤولة جزئياً عن زيادة هذا الإنفاق في كل من الهند وفيتنام. فقد زاد الإنفاق العسكري في الهند بنسبة 66% منذ العام 2002. وزاد في فيتنام بنسبة 82% منذ عام 2003. أما تايوان فقد سجلت زيادة في الإنفاق العسكري بلغ مجموعها 13% منذ العام 2002. وفي الفلبين، زاد الإنفاق العسكري بنسبة 7.4% منذ عام 2002، مع قدر محدود من مشتريات السلاح الرئيسية. وزاد الإنفاق العسكري الإندونيسي بنسبة 82%، منذ عام 2002، ما يعكس الجهود المبذولة لبناء "القوة الأساسية الدنيا"، لتمكين الدولة من السيطرة على الأرخبيل المترامي. وربما كذلك لتأكيد دورها الإقليمي. وفي تايلاند، بلغت نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري 66% خلال الفترة ذاتها. وبلغت في كمبوديا 70%. ويعود ذلك جزئياً إلى النزاع الحدودي بين البلدين، حيث شهدا عدة اشتباكات مسلحة عامي 2010 و2011. وفي حالة تايلاند، ساهم في زيادة الإنفاق العسكري أيضاً التوتر المستمر في الجنوب، كما الاضطرابات الداخلية، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع في عام 2006. في المقابل، شهدت اليابان، بشكل تدريجي، انخفاضاً في نفقاتها العسكرية على مدى العقد الماضي. على صعيد أميركا اللاتينية، تراجع الإنفاق العسكري بنسبة 3.3%، بالقيمة الحقيقية عام 2011. ويعود ذلك بصفة أساسية إلى البرازيل، التي خفضت ميزانيتها العسكرية بنسبة 25%، كجزء من سلسلة تدابير لتهدئة الاقتصاد، والحد من التضخم. وكان هناك نمط مختلط من الزيادة والنقصان في الإنفاق العسكري في إطار مجموع دول أميركا اللاتينية، فقد ارتفع في المكسيك بنسبة 5.7% عام 2011. وبنسبة 52% منذ العام 2002. ويعود ذلك بصفة أساسية لزيادة مشاركة الجيش في التصدي لعصابات تهريب المخدرات. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن الإنفاق العسكري العالمي لازال كبيراً بالمعايير المختلفة. ولم يشهد العام 2011 تخفيضات ذات مغزى في هذا الإنفاق سوى في وسط وغرب أوروبا..