الماضي بكل ما فيه يظل جزءاً لا يتجزأ من دواخلنا، بل ويظل الشاهد الرسمي والحقيقي لنا، يحفظ تفاصيل أيامنا، ويؤرخ ذكرياتنا بصفحات لا يمكن نسيناها، أو محوها من الذاكرة، وعندما تغيب للحظة عن تذكر مناسبة ما في حياتك، أو عندما تنساب دمعة حارقة من عيناك ألماً من موقف مررت به، فإنك تعود إليه "خِلسة"، ودون أن يشعر بك أحد، لتقلب صفحاته بهدوء، وتقرأ مجريات حياتك العاصفة والهادئة والحزينة، متأملاً تسلسل الأحداث من لحظات ميلادك الى اللحظة التي تجلس فيها أمام ماضيك، وأنت تقرأ سطوره، قد ترعبك الأحداث وقد تقرر فجأة الابتعاد عن هذا الماضي أو نسيانه، أو أن تحاول أن تمحو من بين صفحاته تلك الذكريات، والتي تمثّل لك الخوف أحياناً، فتضطر أن تودعه وتدفنه كجثمان من الأحداث، وتنثر التراب فوق رفات أسرارك الدفينة، خوفاً من سماع صدى أنينه، ودون أن تسمح لأحد أن يشاركك "مراسيم" دفن هذه الأسرار، فأنت في حضرة الماضي الذي نحيطه بسرية تامة، بل ونمنع زيارة "الفضوليين" إليه، خوفاً من أن ينكشف جزء من خصوصيتنا التي نهرب منها. انتبه «تكع» عندما تحاصرك الأسئلةو«صرّف الموضوع» حتى لا تعيش في شك طول العمر الماضي مقبرة أسرارنا الدفينة، لا نسمح لأحد أن يتجاوز إشارة المرور إليه، طالما أنها مضاءة ب"اللون الأحمر"، فالغرامة التي تسجلها على المتهورين غرامة يصعب تسديدها من مكائن الصراف الآلي؛ لأنها غرامة رصيدك الإنساني، وثقتك في الطرف الآخر الذي سمح لنفسه إزعاجك بسؤاله المتكرر عن ماضيك، والذي قد تضطر لتلوين مساحاته الرمادية بلون أبيض ناصع، حتى تنجو من سواد هذا الماضي الذي قد يلاحق مستقبلك. ضربة قاضية "كلنا كالقمر له جانب مظلم".. عبارة تنطبق كثيراً علينا وعلى تجارب كان قدرنا أن نمر بها، نجحنا صدفة فيها، أو فشلنا لثقتنا الزائدة أو لضعف التجربة التي جعلتنا وقتها غير قادرين على اختيار الأفضل، فكان السقوط هو النتيجة الحتمية لنا، "ماضيك" ورقة جفت وسقطت من شجرة حياتك وتلاعبت بها رياح الخريف القاسية، وحملتها بعيداً إلى حيث ترسو الذكريات فوق الشواطئ البعيدة، فهل تسمح لشريك حياتك أن يلتقطها ويحاول قراءتها ليقرأك؟. وقال "عبدالرحمن": إذا كانت الزوجة قبل زواجها مرت بتجارب "حُب"، فمن الأجدر ألاّ تلمح بذلك لزوجها؛ لأن تلك الصراحة قد تكون بمثابة الضربة القاضية لحياتها معه، مضيفاً أن السؤال الذي يطرح نفسه وقتها: ماذا تتوقعون ردة فعل غالبية الرجال؟، ومع احترامي الشديد لتلك الصراحة، ففي جميع الحالات لن تسلم من "شكّه" ونظراته، بل قد تكون في محل "تُهمة"، وأنها من هؤلاء النساء التي لديها استعداد للتعارف ولا حدود لسقف تصرفاتها، مشيراً إلى أنه يفضّل عدم الخوض في ماضي زوجته أو ماضيه؛ لأنه فيه من المواقف ما قد يُؤثر سلبياً على الحياة، خاصةً إذا كان أحدهما من الشخصية الغيورة، والتي يصعب تغيير مسار تفكيرها بعيداً عن الهواجس. باب الشك وأوضحت "أماني سعد" أنه ليس من حق أحد "نبش" الماضي؛ لأنه من الأمور الشخصية، وما حدث فيه يجب أن يظل من الماضي؛ لأن معرفة أسراره تؤثّر بشكل أو بآخر على العلاقة بين الزوجين، ويفتح باب الشك على مصرعيه، لذلك يجب ألاً يكون امتداداً للمستقبل، مشيرةً إلى أن التجارب التي حدثت فيه ملك خاص لصاحبه، ولا يحق لأحد الإطلاع عليه. وذكرت "أم عبدالله" أن الماضي يجب أن يظل بعيداً عن "الحسابات المعقدة"، التي قد تتسبب في إشعال فتيل الشك، مضيفةً أن الزوجة يجب أن تقبل زوجها من اللحظة التي قررت فيها إكمال الحياة معه، والزوج كذلك، لافتةً إلى أن الخوض في مهاترات الماضي مجرد عبث لا جدوى منه، متسائلةً: ماذا نريد من ماضي حمل تجاربنا الفاشلة وربما الناجحة أيضاً؟، مبينةً أنه يجب التعامل مع هذا الجزء بحذر، رغم أن هذا لا يعني أن ماضينا مخيف، بل قد يكون مشرقاً ونستطيع من خلال تجاربنا مد يد العون للآخرين. انفصال وطلاق وقالت "د.سحر رجب" -أخصائية نفسية-: إن مبدأ الزواج في الإسلام لا يُعد علاقة عارضة أو لحظية، بل إنها علاقة أساسها الدوام والحب والود والرحمة، مضيفةً أن الإسلام حرص دوماً على الستر بين المسلمين والمسلمات، ومساعدتهم وحثهم على التوبة، ومن ثم الاستقامة، ذاكرةً أن التوبة تجب ما قبلها، فالله هو الوحيد المطلع على ذلك، وستر عليهما، فلا يجوز التفتيش والفضح مادام ماضياً ولا يضر بأحد، مؤكدةً على أن "التلصص" و"النبش" في الخصوصيات يُعد -من وجهة نظرها- مرفوض جملةً وتفصيلاً، مستشهدةً على ذلك برسالة وصلتها من زوجة أصابها "الاكتئاب" و"القلق" و"الشك"، قالت فيها: "لم أعد أُطيق زوجي، ولا أُحبه"، حيث بدت متأثرة مما أبلغها عنه زوجها وماضيه، وهو يستعرض ذلك بفخر!، مبينةً أن هذه القضايا الاجتماعية الشائكة والحساسة والتي تحدث من ورائها الخلافات الزوجية بحد ذاتها تزيد من حالات الانفصال والطلاق، فالماضي ملك لأي شخص، والبحث في مكنونه يزرع الشك والخلافات التي يصعب حلّها، مؤكدةً على أن أساس الحياة الزوجية لابد أن يبنى على الثقة والاحترام المتبادل، واحترام أسرار ومشاعر الآخرين. غير صحية وأكدت "د.سحر رجب" على أن تجارب المرأة السابقة لا تعني أنها سيئة، فكلاًّ من المرأة والرجل معرض لحدوث تجارب عاطفية قبل الزواج، وهنا يجب أن تكون النظرة مستقبلية لا "سوداوية"، وأن يظل الماضي لهما خلف الذاكرة، بل ولا يدخل عش الزوجية، مضيفةً أن البعض يرى أن الخصوصية من أهم حقوقه كبشر، ذاكرةً أن الجانب النفسي والثقة هي العامل الأساسي لبناء الأسرة، مبينةً أن التفتيش في متعلقات سابقة ظاهرة غير صحية إطلاقاً؛ لأن فتح الماضي و"النبش" فيه يجعل الزوج والزوجة تحت المراقبة والملاحظة، وهذا بلا شك يحدث تصدعاً ومشاكل لا حصر لها، حيث لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، فأحياناً قراءة المذكرات واللعب في "طيّات الاتوغرافات"، وقراءة الخواطر والأسئلة الكثيرة، تسبب الجنون لكليهما، ناصحةً أن تكون المصارحة في العلاقات الحالية فقط، لكن إن ظهر شيء في تصرفات الزوجة وسلوكها، أو العكس، عليهم المواجهة فوراً قبل تفاقم الأمور.