فحوارات الإسلام والغرب ، من الأهمية بمكان ، أن تتجه ابتداء إلى نقد مفاهيم كل طرف السائدة عن الآخر ( بمعنى تصحيح نظرة كل طرف عن الآخر) ، للوصول إلى وعي حقيقي عن كل طرف. ثمة دروس وقناعات أساسية ، تثيرها كل التجارب والمبادرات ، المتعلقة بالحوار بين العالم الإسلامي بكل دوله وأممه المتعددة ، والغرب بكل دوله ومراكز القوى الموجودة فيه.. وذلك لأن استمرار الكثير من جولات الحوار ، ووجود العديد من المبادرات المتعلقة بهذا الحقل ، مع شعور متفاوت لدى الجميع أن الثمار العملية لهذه الحوارات لا زالت ضئيلة ومحدودة.. كل هذا يثير العديد من التساؤلات المتعلقة بهذه التجربة في أبعادها المختلفة.. ولعله من نافل القول ، بيان أن الحوارات الثقافية والفكرية الجادة ، ينبغي أن تتوجه إلى الكشف عن العناصر الجديدة ، التي تميز الطروحات الفكرية والسياسية ، والتي تدخل في دائرة متابعة تطور الحقائق الثقافية والسياسية عبر التاريخ.. ومن هنا فإن الحوار السليم ، هو الذي لا يتجه وبالخصوص في مرحلته الأولى إلى إظهار فضل أي فضاء ثقافي أو حضاري على الآخر ، وإنما معرفة الواقع بصرف النظر عن إرادة تغييره.. وهذا يوصل المتحاورين إلى مستوى إيجابي ، من تحييد الموقف الأيدلوجي وتجاوزه ( بالمعنى الفلسفي ) للكشف عن عناصر الوعي المشتركة ، أي الأكثر موضوعية واستيعاباً للجميع ، والتي تسمح لهم جميعاً بالوصول إلى فهم متقارب ، إن لم يكن مشتركاً لواقع نعيش فيه معاً.. فحوارات الإسلام والغرب ، من الأهمية بمكان ، أن تتجه ابتداء إلى نقد مفاهيم كل طرف السائدة عن الآخر ( بمعنى تصحيح نظرة كل طرف عن الآخر) ، للوصول إلى وعي حقيقي عن كل طرف ، وذلك لكي يكون لهذه الحوارات تأثير مباشر وجوهري على الداخل العربي والإسلامي ، في تكوين إرادة جماعية أو توحيد الجماعة الوطنية من خلال الارتفاع بمستوى المفاهيم الأيدلوجية ، وتكوين فهم جديد لواقع جديد ومشترك أيضا.. وذلك لأن كل التجارب السياسية والثقافية ، التي انطلقت في الداخل العربي والإسلامي ، على قاعدة تجاوز الحقائق ، والقفز على القوى المتوفرة ، لم يكن مصيرها إلا الفشل أو النجاح الجزئي ، الذي يخلق تداعيات معقدة ، أقل ما يقال عنها إنها طردت كل الثمار الإيجابية لذلك النجاح الجزئي.. فالغرب اليوم بما يشكل من ثقافة وحضارة وامتداد سياسي واجتماعي في فضائنا العربي والإسلامي ، أضحى حقيقة قائمة ، لا يمكن التغافل عنها.. كما أن الإسلام بما يشكل من ثقافة وحضارة وقوى سياسية واجتماعية ، أصبح واقعا مشهودا وملموسا.. والحل ليس في أن يسعى كل طرف إلى نكران قوة الآخر ، أو العمل بعيداً عن القوى الاجتماعية لكل طرف ، لأن هذا النكران لا يؤدي إلا إلى القطيعة والصراعات المحمومة ذات الطابع السلبي والتدميري.. ومسار صراع الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الحركات الإسلامية في الحقبة الماضية ليس خافياً على أحد.. لذلك فإن الحل يتجسد في : 1-إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي لدى كل قوة أو طرف ، بحيث يكون وعياً متواصلاً ، لا تمنعه الاختلافات العقدية أو السياسية ، من الحوار والتفاهم المباشر.. 2-الارتفاع بمستوى المفاهيم الأصلية لدى الجماعات الوطنية.. وذلك من إنجاز فهم مشترك ومتبادل بشكل دقيق وواضح.. 3-إن هذا الفهم المشترك ، لا يكون فعالاً إلا إذا تشكلت إرادة جماعية ، لإثراء الفهم المشترك ، وإيصاله إلى أقصى مستوى ممكن من التفاهم والتنسيق وذلك حتى لا يكون هذا الفهم في بعض صوره ، بمثابة الانتقاص لجهد أي طرف أو قوة اجتماعية أو حضارية.. وإن إبقاء أفكار الحوار ، وتصورات الفهم المتبادل مجردة وبعيدة عن الواقع الاجتماعي ، لا يطور هذه الأفكار ، وإنما يبقيها ذات طابع نظري صرف مما يفقدها زخمها المعنوي والتبشيري.. لأن الأفكار لا تتطور إلا من خلال الظروف الاجتماعية والحضارية ، فهي التي تطرح التحديات المختلفة ، وهي التي تستفز الفكر للإجابة عليها ، وتطوير إمكاناتها لمواكبة مختلف الظروف.. لذلك فإن المطلوب ، ليس أن ينادي كل طرف بضرورة الحوار والفهم المشترك ، وإنما لابد من إثراء هذه الضرورة بحقائق اجتماعية – ثقافية – علمية – سياسية – حضارية ، حتى تتشكل الإرادة الجمعية الفاعلة والحقيقية والمتجهة إلى إثراء التجربة الإنسانية عبر توفر جملة من الشروط المادية والمعنوية ، التي لا يمكن إنجازها إلا بمساهمة ومشاركة مختلف التنوعات التاريخية والإنسانية.. وبهذه الطريقة تكون المفاهيم المستخدمة ( حوار – تسامح – تفاهم ) ذات مدلولات علمية – حضارية ، اشترك الجميع في بلورتها وإنضاجها.. فحوارات الإسلام والغرب ، ليست مجردة ، ولكنها ينبغي أن تكون واقعاً مشخصاً يعبر في تشخصه عن التنوع اللا محدود والتعدد الهائل للصور التي يمكن أن يأخذها تحقيق المفهوم وذلك على حد تعبير المفكر العربي ( برهان غليون ).. فالحوارات لا توصل إلى علم حقيقي وفهم جوهري ، إلا إذا اتجهت إلى الكشف داخل المفهوم أو المفاهيم الجامعة عن أشكال تحققاته المختلفة.. فهذه الحوارات ( التي تأخذ بالاعتبار جميع التجارب البشرية ) هي التي تؤسس لنظرية علمية مستوفية جميع الشروط الاجتماعية والحضارية للوصول في حوارات الإسلام والغرب ، إلى تأسيس حقائق اجتماعية – ثقافية – حضارية على هدي هذه الحوارات ومفاهيمها المركزية.. ولعله من العبث القول بفصل هذه الحوارات ، عن واقع الحياة المعاصرة ، وموقع كل طرف فيها.. ولكننا نقول إن الحوارات لا تصل إلى أهدافها البعيدة ، إلا بتأسيس تلك الحقائق ، على قاعدة تلك الظروف الموضوعية والذاتية ، التي تحتضن تلك الحوارات وتغنيها أبعاداً وآفاقاً ، وطاقة بشرية خلاقة.. وإننا نتطلع من هذه المبادرات والحوارات المتعددة في السياق العربي أن ينبثق منها مركز للدراسات والأبحاث ، متخصص في شؤون وقضايا الإسلام والغرب.. ويأخذ على عاتقه تطوير هذه الحوارات ، ويثريها بالأبحاث والدراسات المعمقة والجادة.. ولعلنا لا نعدو الصواب حين القول : إن حوارات الإسلام والغرب خلال الفترة الماضية في أكثر من عاصمة عربية أو غربية قد وفرت المقدمات الضرورية على مختلف الصعد والمستويات للإقدام على هذه الخطوة ، وتوفير سبل نجاحها وريادتها..