قام فريق من علماء الاجتماع بالبحث عن المدينة الفاضلة واليوتوبيا. قالوا لأنفسهم قد تكون في مهبط الوحي الذي نزل على ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد. شدُّوا الرحال على عجل وما أن بلغوا ملتقى البحرين حتى رأوا عن شرقه اقتتالا وتخوينا وعن يمينه خرفان الدكتاتورية بجلود حملان الديموقراطية. ولم يكن شماله بأحسن حالا من شرقه. فقالوا ليس إلا الجنوب. وكان أن استقبلتهم رياح تتلوها رياح تتلوها رياح أحمالها من غبار وفوحها من نار. ثم رأوا قطعان الجمال تتبعها الصهاريج وعربات محملة بالأعلاف. كاد الماء أن ينضب فقرروا أن يواصلوا البحث عن الماء قبل أن ينفد ما لديهم نبع ماء. واحة خضراء. لم يجدوا شيئا من ذلك فالينابيع جفت والواحات يبست. لم يكن لهم إلا خيار واحد وهو المضي قدما. وبعد أيام من الترحال الليلي رأوا في الأفق أعمدة شامخة تشق عنان السماء فجدوا في المسير وهم على يقين من أنهم وصلوا لمبتغاهم متناسين حاجتهم من الماء. وما أن اقتربوا حتى رأوا جموع المتسولين، وقوافل المترفين. وطوابير الناس، منهم من يبحث عن لقمة عيش ومنهم من يبحث عن فرصة عمل. ومنهم من أفقره الأمل. وما أن بلغوا حد تلك الأعمدة حتى رأوا الناس في وضع غريب. الغالبية مطرقو الرؤوس لا يملكون من أمرهم شيئا. بينما يبدو قومٌ فيهم العجب بياضهم يكسوه السواد، والسواد من دونه سواد. سقياهم الكراهية والشحناء. وزادهم الادعاء. أصواتهم عالية، وأقوالهم بالية. فاختلف القوم أيشربون من وردهم. فسقى منه نفر فصاروا كمن سقاهم. وامتنع آخرون فقضوا في الصحراء على حدود دولة الديستوبيا.