معاناة مستمرة يروي «عبد الرحمن المنيع» معاناته الوظيفية، وقال «أنا الآن موظف في أحد البنوك براتب متواضع جداً، بعد أن كنت مديراً في إحدى شركات العلاقات العامة، فانا حاصل على مؤهل علمي عالي في إدارة العلاقات العامة مما جعلني مطمع لكل شركة، ولكنني للأسف الشديد أعترف بأني أعاني من عدم سيطرتي على أعصابي في بعض المواقف، وهذا يتعارض كليةً مع وظيفتي ومنصبي وأنا اعلم بذلك».والتقت «الرياض» بالمواطن «محمد» أمام إحدى المحاكم بجدة، حيث كان يبحث عن حل لمشكلته الزوجية، وقال «أنا إنسان يعرف عني الجميع بأنني سريع وشديد الغضب، خسرت الكثير من علاقاتي الاجتماعية؛ بسبب سرعة غضبي وعدم سيطرتي على أعصابي وانفعالاتي في حالة الغضب، وقد رجوت من زوجتي وأم أبنائي أن تتجنبني في حالة غضبي، ولكن للأسف الشديد لم تسلم هي الأخرى من غضبي فقد طلقتها وهذه المرة الثالثة، وأنا في حالة غضب شديد، وأنا لا أتخيل ان أعيش بدون زوجتي وأبنائي، وقد سمعت أن الطلاق في حالة الغضب الشديد لا يقع، وها أنا أقف هنا انتظر دوري حتى أعرض مشكلتي على المحكمة لعلي أجد حل يعيد الي زوجتي، وأنا احلف بالله إنني سأجد لنفسي حل ولو ذهبت إلى طبيب نفسي معالج، ولكن أريد زوجتي ترجع لي هي وأبنائي أولاً فانا نادم اشد الندم على ما بدر مني». حالة انفعالية وعرّف «سالم العمري» -أخصائي اجتماعي- الغضب، بأنه حالة انفعالية تشتمل على مجموعة من الدرجات، تبدأ بالغضب البسيط كالغضب والاستثارة والضيق، ثم تنتهي بالغضب الشديد المتمثل بالتمزيق والتدمير والعنف، كما عرّفه الإمام الغزالي بأنه: «غليان دم القلب بطلب الانتقام»، مشيراً إلى أن الغضب درجات تتفاوت بين الناس وفي طريقة تعاملهم مع الآخرين في حياتهم اليومية، ومعالجة المثيرات التي يواجهونها، فمنهم من تستخفه التوافه، فيستحمق على عجل، ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقي على وقعها الأليم محتفظاً برجاحة عقله. وأضاف أن الغضب ينقسم إلى درجات ثلاث هي: التفريط، والإفراط، والاعتدال، فالتفريط هو أن يفقد قوة الغضب أو ضعفها، وهذا مذموم، إما الإفراط: فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة، ولا نظر، ولا فكرة، ولا اختيار، وسبب غلبته أمور غريزية، وأمور اعتيادية، وأخيراً الاعتدال: وهو الغضب المحمود، بأن ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعثَ حيث تجبُ الحَمِيَّةُ، وينطفئُ حيث يَحْسُنُ الحلمُ وحفظُهُ على حد الاعتدال والاستقامة التي كلف الله تعالى بها عباده وهو الوسط، موضحاً أن للغضب أضرار اجتماعية خطيرة فكم من أسرة انهارت وكم من إنسان عادي تحول الى مجرم، وأصبحت السجون ملئه بسبب الغضب الذي يعمي الإنسان ويجعله قدم على خطوة قد تكلفة حياته أو مستقبله ومستقبل من يعول. مخاطر الغضب وقال «صالح الغامدي» -باحث ومرشد اجتماعي- أن الغضب عبارة عن شعلة نار مستكنة في طي الفؤاد، استكنان الجمر تحت الرماد، وربما جمع الغضبُ الشرَّ كله، وربما أدى إلى الموت باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سبباً لأمراض خطيرة، ناهيك عن لواحقه: مقت الأصدقاء، وشماتة الأعداء، استهزاء الحساد والأراذل من الناس، ولا أدل على خطورة الغضب من وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل جاء إليه يطلب أن يوصيه، فقال صلى الله عليه وسلم له: «لا تغضب -فردد مراراً- قال: لا تغضب». آثار سلبية وأكدت «د.صباح الرفاعي» -استشارية نفسية بجمعية الشقائق وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز- على أن عدم السيطرة على التصرفات والانفعالات التي تنتاب الإنسان لدى تعرضه إلى بعض المواقف المستفزة -أي ما يعرف بالغضب-، تدفع الشخص للإصابة بأمراض نفسية تستوجب في بعض الأحيان مراجعة المعالج النفسي. وقال:»إن الإنسان الذي اعتاد على الغضب لوحظ أنه يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد عن معدله الطبيعي، فيصاب بالأمراض النفسية والبدنية مثل السكر والذبحة الصدرية، بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس والتي تقوّض من الترابط بين الناس، كما أكدت الأبحاث العلمية أن الغضب وتكراره يقلل من عمر الإنسان، ولا يكون تجنب الغضب بتناول المهدئات؛ لأن تأثيرها يأتي بتكرار تناولها ولا يستطيع متعاطي المهدئات أن يتخلص منها بسهولة». وأشارت إلى أن الطب النفسي توصل إلى طريقتين لعلاج المريض الغاضب، الأولى من خلال تقليل الحساسية الانفعالية، وذلك بتدريب المريض تحت أشراف طبيب على ممارسة الاسترخاء مع مواجهة نفس المواقف الصعبة؛ فيتدرب على مواجهتها بدون غضب أو انفعال، والثانية من خلال الاسترخاء النفسي والعضلي، وذلك بأن يطلب الطبيب من المريض أن يتذكر المواقف الصعبة، ويجلس إذا كان واقفاً، أو يضطجع ليعطيه فرصة للتروي والهدوء، علماً بأن هذا العلاج لم يتوصل إليه الطب إلاّ في السنوات القليلة الماضية، بينما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حديثه (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب أو فليضطجع).