في أجواء محلية يعلوها هاجس المقاطعة وانشغال الجزائريين بالحرائق التي تطال جيوبهم على خلفية التهاب أسعار المواد الاستهلاكية، وفي خضم أجواء إقليمية وعربية شهدت انقلابات متتالية على أحزاب حكمت العباد والبلاد لأكثر من نصف قرن عبر ما بات يعرف ب»الربيع العربي» في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن يصارع الحزب السياسي العتيد في الجزائر «جبهة التحرير الوطني» الذي حكم الجزائريين أكثر من 40 سنة والذي يرأسه شرفيا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يصارع الموت المحتمل ويصرّ على البقاء في حين تتعالى الأصوات من داخله بالأخص من قواعده الشبابية أن «ولّى عهد الانفراد بالقرار». ويدخل الحزب السياسي العتيد في الجزائر المعروف لدى العامة بتسميته الفرنسية المختصرة «الأفلان» خامس استحقاق نيابي تشهده البلاد منذ دخولها عهد التعددية الحزبية العام 1989 المزمع في 10 مايو المقبل، متصدع الصفوف، مقصوم الظهر بعدما اتهم مناوئون الأمين العام الحالي في الحزب ب»الخيانة السياسية» و»تهريب الحزب عن مناضليه» على خلفية انفراد عبد العزيز بلخادم وهو أحد أهم رجالات بوتفليقة في إعداد قوائم انتخابية كشف عنها مؤخرا قلبت الدنيا فوق رأسه ولم تقعدها وحوّلت المناوئين إلى خصوم ورفقاء الأمس إلى أعداء يستعد قطاع واسع منهم إلى جمع التوقيعات للإطاحة به وسحب الثقة منه على مقربة من حملة انتخابية تنطلق في 15 أبريل الحاري.ويقود حملات الإطاحة بالأمين العام للحزب وسحب الثقة منه وزراء ونواب وقياديون في المكتب السياسي واللجنة المركزية وهما أهم وأكبر هيئتين سياسيتين في تنظيم الحزب يتقدمهم الوجه التاريخي صالح قوجيل زعيم »حركة التقويم والتأصيل» وهو وزير سابق في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وبوجمعة هبشور الوزير السابق للبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال وهؤلاء يتهمون بلخادم بتغليب أصحاب «الشكارة» على المناضلين الحقيقيين للحزب وأصحاب الشكارة في الجزائر هم أصحاب المال من المقاولين وكبار التجار ورجال الأعمال الذين صاروا يشترون بالملايين مقاعدهم في البرلمان رعاية لمصالحهم ولزيادة نفوذهم وهؤلاء يشكّلون وقود الحملات الانتخابية للأحزاب التي ترشحهم في قوائمها بسبب ضعف التمويل الذي تقدمه السلطة للأحزاب ويحتل أصحاب الشكارة مواقع هامة في القوائم التي أعّدها الحزب في ال 48 محافظة من محافظات الجزائر. واستبق التقويميون آخر أجل حددته الداخلية لإيداع الترشيحات في 26 من مارس الماضي بإعداد قوائم حرّة لخوض غمار التشريعيات. ويهدد بلخادم بتجميد عضوية هؤلاء في حال أقدموا على ذلك وما يزال بلخادم يردّد في كل تصريح للصحافة أن «لا توجد قوائم مزدوجة ولا موحدة، بل إن هناك قائمة لجبهة التحرير فقط» ولا يجد بلخادم من حيلة لمواجهة غضب الذين يطالبون برأسه سوى التلميح بالاستقالة في حال فشل الحزب في البقاء بقوته السياسية الأولى في البرلمان المقبل وهذا في محاولة منه للدفاع عن اختياراته والقول أن الذي عمد إليه هو الصواب وأنه سيكسب الحزب مزيدا من المقاعد. ولا يثق الخصوم كثيرا في تطمينات بلخادم ويرون أن الاسماء التي كشف عنها هي «انتحار يقود إلى الفشل بل سيعود بالحزب العتيد إلى الانتكاسة التي شهدها في انتخابات 26 ديسمبر991 1 التي حقق فيها الحزب المحظور «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» فوزا ساحقا واحتمال تكرار هذه الانتكاسة مع التجربة الجديدة للأحزاب الإسلامية التي تدخل تشريعيات 2012 بقوائم موحدة قد تزيد من حظوظها في الظفر بغالبية مقاعد البرلمان المقبل.