رحل يوم الأحد الماضي الصحافي الأمريكي مايك والاس الذي يعد من أهم الأسماء التي قدمت البرنامج الإخباري المشهور "ستون دقيقة". رحيل والاس عن عمر 93 قضى منه أكثر من 60 عاماً في العمل الصحافي القوي والمحترف, أو العنيد كما يقول عنه الصحافي هوارد كورتز في مقال نشره في مجلة النيوزويك في رثاء لهذا الصحافي الذي يصفه بأيقونة قناة سي بي أس. كورتز قال إن والاس استخدم أسلوبه القوي والعنيد حتى معه, حيث التقاه في أحد المرات وضل يدفع بقوة, مرة بعد أخرى, حتى استطاع أن ينتزع الإجابات التي يريدها. هذا يعكس بحق دور الصحافي.. ودور الصحافة التي تطرح الأسئلة التي لا يريد أحد أن يسمعها وتنبش عن القضايا التي لا يعلم عنها أحد. من تابع والاس يدرك أن هذه من أكبر مزاياه. أذكر أني كنت أتابعه في "ستون دقيقة" مدفوعاً بشخصيته الطاغية وصوته العميق ولكن الأهم كنت أنتظر اللحظة التي يبدأ فيها بطرح تساؤلاته وملاحظاته المختصرة المتقنة التي تجعل الضيف يبدأ بكشف أوراقه, رغماً عنه أحياناً. ولكن والاس يندفع أكثر في عمله الصحافي الأمر الذي جعله يقوم في إحدى المرات بتسجيلات سرية لأحد ضيوفه الذي وُبخ عليه بعد ذلك على اعتبار أنه أخل بالأخلاق المهنية. لكن والاس الذي ينتمي إلى عائلة روسية يهودية وصف مالك شبكة "سي بي أس" بأنه لوث سمعة الشبكة بعد امتناعه عن بث حلقة (بثت فيما بعد) مع العالم جيفري واينغد الذي اتهم شركات التبغ بوضع مواد مسرطنة في السجائر. هذه القضية أنتج عنها فيما بعد فيلم بعنوان "إنسايدر" من بطولة النجم آل باتشينو أظهر ولاس بصورة المتخاذل الذي لم يستطع أن يقاوم الضغوط عليه, وهو الأمر الذي نفاه المذيع الذي لم يعجب بالفيلم. عرف عن والاس إصابته بالكآبة التي لازمته فترة طويلة لدرجة دفعته في إحدى المرات لمحاولة الانتحار. وتعاطى والاس مضادات الكآبة وخضع للعلاج النفسي ويقول في إحدى المرات أنه يجد نفسه- بسبب الاكئتاب- غير راغب في إنجاز الأعمال المطلوب منه تنفيذها. ولكن مع ذلك ظل والاس يعمل حتى عمر متأخر (لم يتوقف إلا في عام 2008) بعد أن نكث أكثر من مرة بوعده بأنه سيتقاعد. ولكن الصحافة ظلت هي مصدر السعادة لديه التي بدونها كما يقول "لا أعرف ماذا أفعل".