في بداية الطفرة الأولى " السبعينيات الميلادية " اتجه كل من هب ودب لنشاط المقاولات واعتلت الدكاكين لوحات تُعلن عن مؤسسة فلان بن فلان للتجارة والمقاولات. هكذا بكل بساطة. كلّ الحكاية كانت استئجار دكان 4X4 امتار، وطاولة وكم كرسي ولوحة أعلى الدكان، وربك سميع الدعاء. السيّد المقاول إما أن يأتيه المستفيد لدكانه أو يدور بنفسه على الدوائر الحكومية حاملاً حقيبته السوداء في بطنها أوراق المؤسسة والختم. من ذلك الوقت تم ابتكار مقاول الباطن وبالتالي تنفيذ مشاريع فاشلة. مبان وطرق هشة تتداعى مع نزول أول قطرة مطر، ولكم تخيّل البقية تلك التي مرّت على أكثر من مقاول باطن. لتوضيح الصورة أكثر أحيلكم على حلقة درامية بطلها الفنان الدكتور راشد الشمراني متقمصاً دور المقاول الأساس (الهامور) الذي رست عليه مناقصة تنفيذ مشروع جسر يربط بين جبلين.. المشروع في الأوراق يعتبر حُلماً لأبناء المنطقة التي سيُنشأ من أجلهم ، وحيث المشروع (كغيره) مرّ بأكثر من مقاول كل منهم اقتطع من (الكيكه) حسب قدرة هضمه فقد انتهى إلى حبل يربط بين جبلين وما على مستخدم الجسر المزعوم سوى الانزلاق وكأنه مُتعلّق ب (تلفريك). تذكرتُ كل هذا وأنا أقرأ (تصريح) رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المنشور في هذه الجريدة يوم الاثنين الفارط 9 أبريل 2012م عن (رغبة) الهيئة في كشف أوجه الفساد في المشاريع الحكومية مثل استغلال المنصب والرشوة. وأبدى الرئيس الشريف خلال استقباله لوفدٍ من لجنةِ المقاولين بغرفة تجارة الرياض انزعاجه من تعثر ما نسبته 90% من المشاريع بسبب قصور أداء مختلف الأطراف من مقاول واستشاري والجهة المالكة للمشروع مشيراً إلى أن الهيئة (مُهتمّة) بمراجعة كافة الأنظمة لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الفساد. بكل صراحة لم أكن أتمنى سماع لهجة ناعمة كما هو كلام الرئيس. كأننا نسينا تشديد الملك عبدالله بن عبدالعزيز على وأد الفساد في مهده حينما قال جُملته الشهيرة (كائناً من كان). لو كنت مقاولاً وسمعت هذه اللهجة (الحنيّنة) سأخرج من الاجتماع كما دخلته... أيها السيدات والسادة لسنا بحاجة إلى مزيدٍ من التصريحات أو رغبة في كشف أوجه الفساد فقط، أو الاهتمام بقراءة القوانين. ما نحن بحاجة إليه هو سماع الضربة الأولى من هيئة مكافحة الفساد لنطمئن..