هيلين كرم فنانة لبنانية، وأستاذة التشكيل في الجامعة الاميركية ببيروت، أقامت معرضها الاول في حزيران على قاعة الكوفة كاليري بلندن. موضوعها يسترعي النظر، ويحوي الكثير من المفارقات، فكل لوحاتها تقتصر على حضور المرأة بالعباءة السوداء. نساء موشحات بالحزن، وأخريات يتحاورن مع فضاء الفراغ الذي يملأنه. العباءة في هذا المعرض لغة تقف على حواف رمزيتها، فهي في تحولات حركتها تكسب جسد المرأة قدرا من الدراية بحجم وجوده في المكان، بإمكانيته على الكتمان والافصاح والدفاع عن نفسه في الهواء المثقل بالهمسات. فالكتلة السوداء لها أسرارها الخاصة، واللون يخدشها في احيان ويمنحها خفة لاتناسب وجودها الصلد، وبعض هذا الوجود أمومي والاخر مستريب وبعضه ينطق بعذاب الفقدان وواحدة تمثل الثبات والقوة والسطوة. وليس اسم المعرض (من قانا الى بغداد) إلاّ تنويع على موضوع الحرب والمرأة. هيلين ذهبت الى بغداد السنة المنصرمة، وفي هذا المعرض تحاول ان تصل نساء العراق القادمات من المقابر الجماعية وعصف الحروب والاحتلال، بنساء قانا النائحات في الجنوب اللبناني. مشتركات الحزن الذي تشف عنه انحناءات العباءات المواربة للأسى والفجيعة، تجمع المرونة الى صلابة الكتلة المتماسكة، استدارة الظهور وانكماش الاكتاف. الكتل الصماء تتحرك بايماء اليد الظاهرة، اليد الوحيدة التي تسترخي على الركبة لتتحول الى نقطة ضوء بين السواد المعتم. بعض اللوحات تبدو وكأنها رسوم تحضيرية، تباغتها زينة الالوان وتضعف من أدائها، فالاستدارات الحادة تبدو وكأنها لعبة لإثارة التماوج والظلال في حركة المرأة المكبوتة، في تصريحها الذي لايستنطق تعبير الوجه، بل الجسد والجسد وحده بين مسرح خال من حركة الاخر، فالنساء يتحركن في بيئة تخلو لهن، ولكن حضور الاخر هو عينه السرية التي تصنع لهن هذه الحركة المحكومة بالوجود غير المنظور للرجل. ويلوح الفقدان هنا محض عذاب، فليس هناك من اضطراب للخطوط البدائية التي لاتوحي بقوة الريشة في ضرباتها على القماش، بل تساورها الفكرة وتسيطر عليها في إعادة الهيكل، الشكل الذي يحتويه كيس العباءة ويكتفي بالاعتماد على فضائل موضوعه. بيد أن الشكل لا يملك الشغل على شغف التقنية، الفن من حيث هو اندفاع وتحد للكتلة في زينتها الظاهرة، وليس في بعدها الذي يحس فيه الناظر قلق الفنان للتوصل الى تأثير البحث عن مهارة تعود اليه لا الى الموضوع. على أناقة الكنفاس تظهر هذه المشكلة وهي تتعامل مع اللون، فالفنانة تضيف الأزرق الفاهي والنحاسي المذّهب الذي يبرق مثل مفردات الحلى، فتطفو مادتها ووجود نسائها على سطح اللوحة. غير ان الذي التقطته الفنانة من عملها، هو قدرة الافادة من البيئة في توحيد سوريالية وجود المرأة، التي تخطر مثل طيف في غرفتها التي تنقلها على الاكتاف حتى نهاية شارع الحياة الذي تعبره.