إن القدرة على الإصغاء بشكل جيد بمثابة الدواء السحري، الذي يؤتي ثماره الجمة، لإنجاح أية قضية تطرح للتفاهم بين اثنين أو أكثر، وهذه القدرة - بلا شك - تتطلب قدراً كبيراً من الأمانة مع الذات، فضلاً عن التواضع وضبط النفس. إن الإصغاء ضرب من الفنون الجميلة التي تحتاج إلى مهارة فائقة تزيل من الأذهان الاعتقاد السائد لدى بعض الناس أن الإنصات مسألة لا تحمل أي أهمية، وأن على المرء الاسراع بأخذ زمام المبادرة لمقاطعة محدثه، ثم الاسترسال بالكلام، لأنه على قناعة بأن الاستماع سيجعله في غاية السلبية فعليه أن يتجنب هذه السلبية بشتى الوسائل. إن أعلى مراتب الإصغاء تتجلى في الآية الكريمة (ما زاغ البصر وما طغى) يقول ابن كثير: قال ابن عباس رضي الله عنهما «ما ذهب بصر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً ولا شمالاً» (وما طغى)، ما جاوز ما أمر به، وهذه الصفة عظيمة في الثبات والطاعة، فلم تشغله الجنة وزخرفها ولا النار وزفرتها عن الإنصات الجميل، والإصغاء الحق. كما يسأم المرء عندما ينفرد جليسه بالحديث، ويحرص على سرد مكنونات نفسه غير آبه بحق محدثه، ومعرفة درجة وعيه وإنما يسعى دائماً إلى طرح ما في جعبته من القصص، والأفكار المختلفة في نسيجها والتي لا تحمل في مجملها أية ملامح مشوقة. لا ينبغي استباق الحكم على ما يقوله المتحدث، أو القفز إلى النتائج مباشرة، كما أنه لا ينبغي أن نجتزئ ذهننا بحيث نستمع إلى جزء ونبحث بجزء آخر عن معلومة مشابهة لما يتحدث به جليسنا فإن هذا من شأنه أن يشوه الموضوع ويفقده حيويته. يقول الكاتب ديل كارينجي مؤلف كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»: (إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك ويسخروا منك حينما توليهم ظهرك فهاك الوصفة لا تعط أحداً فرصة الحديث، تكلم بغير انقطاع، وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث فلا تنتظر حتى يتم حديثه فهو ليس ذكياً مثلك فلم تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث واعترض في منتصف كلامه) عندئذ ستكون المنتصر على جليسك.