كان إعلان زعيم حزب القوات اللبنانية عن محاولة اغتياله من قناصة مفاجئاً ومخيفاً للبنانيين. لأن الرسالة ليست لسمير جعجع فقط وإنما للبنان كله، وهي رسالةٌ واضحة مفادها أن لبنان سيحترق إن سقط النظام السوري. وكنتُ قد أشرتُ في مقالات مع بدء الثورة السورية إلى أن النظام سيحاول جر لبنان إلى معركته. وتبينت المحاولات منذ أن حُوّلت المليارات إلى لبنان من أموال النظام السوري، مروراً بالاغتيالات للصحافيين أو الاختطاف للسوريين في لبنان، والآن يصل النظام السوري إلى ذروة تحديه للبنان بأن يمد يد الغدر إلى زعيمٍ مسيحي له قطاع عريض من المؤيدين مثل سمير جعجع. كانت محاولة اغتيال مروان حمادة رسالةً إلى رفيق الحريري، وكان اغتيال الحريري رسالةً لوليد جنبلاط، والرسالة التي أرادوا إيصالها من خلال محاولة اغتيال جعجع يمكن قراءتها على مستويين اثنين، المستوى الأول: أن تحولات السياسيين في لبنان وعلى رأسهم وليد جنبلاط لايمكن أن تكون مقبولةً، ومن هنا فإن النظام السوري ربما زرع ألغامه بوجه قياديين وزعماء في لبنان، ليثبت لهم أنه ليس قوياً في سورية فقط، وإنما في لبنان أيضاً، ويريد أن يخبر اللبنانيين أن النظام السوري قادر على إشعال حرب أهليةٍ أخرى من خلال شراراتٍ هي بيده أصلاً، وذلك من خلال الاستعانة بحلفائه مثل حزب الله الذي يُتهم باغتيال الحريري. المستوى الآخر: إقليمي وذلك من خلال تحذير الدول التي تدعم الثورة السورية، من خلال استهداف الدبلوماسيين أو السياح، أو اختطاف المواطنين من هذه الدولة أو تلك، ومن هنا يجعلون لبنان مغلقاً بوجه الشعوب التي تؤيد حكوماتها الثورة السورية، لتتعطل من تهديدها السياحة والاستثمارات، فيوضع لبنان في حرجٍ كبير. هناك معادلة يشهد عليها التاريخ السياسي بين سورية ولبنان، وهي أن النظام السوري ينتفض ويزداد شراسةً في الاغتيالات والاستهدافات كلّما تقدم لبنان خطوةً نحو الاستقلال. حدث هذا عندما حاول رفيق الحريري أن يكسر الهيمنة السورية فاغتالتْه، وحدث من قبل مع كمال جنبلاط، ويحدث الآن مع محاولات اغتيالٍ تحاك منذ فترة طويلة ضد زعامات مناوئة للنظام السوري. وللنظام السوري في بيت كل زعيمٍ سياسي معارض له في لبنان قتيل، ولنتذكر سمير قصير، جبران تويني، بيير الجميل وسواهم. ينتفض النظام كلما ازدادت إمكانية استقلال لبنان، لأن النظام السوري - كما قالها حافظ الأسد كثيراً - لا يعترف بلبنان كدولةٍ مستقلة، بل يعتبره ملحقاً من ملاحق سورية، وهذه هي المشكلة الكبيرة التي لم يستطع النظام السوري أن يعترف بها، وحين جاءت الثورة السورية أصبح النظام كالوحش الجريح لذا يضرب يميناً وشمالاً من دون تفكيرٍ أو تمييز. كانوا يقولون إن هناك تلازماً في المصير والهدف بين لبنان وسورية، وقع بعض الزعماء اللبنانيين بذلك الفخ، لكن وحين وعى بعضهم بضرورة استقلال لبنان، ووضع سفارة لسورية لتكون مثلها مثل أي دولةٍ أخرى انزعج النظام وأخذ يرتعد. مع الثورة السورية يحاول النظام أن يلتفّ على الثورة من خلال إشعال لبنان، ليكسب من ذلك صرف الأنظار عن الذي يجري في سورية، ويستفيد أيضاً من نشر الفوضى ومن ثم تنفيذ الاغتيالات والجرائم التي يريدها. ولايمكن للنظام أن يدخل بشراسةٍ في لبنان إلا بدعمٍ من حزب الله. سمير جعجع قال إن لديه «بعض الشكوك» بحزبٍ مسلّح في لبنان أن يكون هو وراء محاولة الاغتيال، وأياً كانت نتائج التحقيق فإن حزب الله لايمكنه أن ينفّذ عملية خطيرة مثل هذه ضد زعيمٍ لحزبٍ عريق في لبنان له تاريخ طويل وصولات وجولات، لايمكن لحزب الله أن ينفذ اغتيالاً بمستوى هذه الخطورة من دون الإذن السوري، أو ربما الأمر السوري، لهذا كان جعجع مصيباً في تحليله، إذْ درجت العادة في لبنان أن الاغتيال فيه له منفِّذون وآمرون، والنظام السوري من الطبيعي أن يكون قد أمر بمثل هذا العمل، وخاصةً بعد المؤتمر الذي عُقد مؤخراً بمناسبة ذكرى حل حزب القوات اللبنانية، والكلمة التي ألقاها سمير جعجع كانت موجعةً للنظام السوري لهذا جاء رده قاسياً إذ خطط للتخلص منه، وحاول ذلك من خلال العملية الأخيرة الفاشلة. هناك أحداث ربما يقوم بها النظام السوري في لبنان، وربما ينجح أو يفشل، لكن الأكيد أنّ اللبنانيين إذا استمر اختلافهم الحاد واستمرت مرجعياتهم للخارج فإنّ لبنان سيبقى مخترقاً من قبل نظامٍ سوري جريحٍ يترنح بين الحياة والموت..