قبل الدخول بتفاصيل موضوع هذا المقال أود أن أتطرق لتعريف علم الاقتصاد حسب توصيف العلماء المختصين به الذين عرّفوه بأنه أحد العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي يختص بدراسة كيفية توظيف الموارد الاقتصادية أو عناصر الإنتاج لصنع أو إنتاج سلع أو خدمات تشبع حاجات أفراد المجتمع المتعددة.. ومن قراءة هذا التعريف يتضح أن الاقتصاد لا يستقيم وضعه إلا بوجود كافة عناصر الإنتاج من رأسمال وموراد طبيعية وإدارة تمزج كل تلك العناصر لتعطي خدمة أو سلعة مستدامة يحتاج لها الإنسان والمجتمع. إن المتفحص لجزئيات الاقتصاد السعودي يستطيع بسهولة أن يجد ظواهر اقتصادية تكونت وظهرت بالمجتمع دون أن تأخذ باعتبارها مبدأ الاستمرار والاستدامة وهذا يضعها خارج حدود التعريف المذكور... ومثالاً على ذلك ما نجده من انتشار للاستراحات داخل الأحياء السكنية تلك الاستراحات التي أقيمت بالأصل على أراض مشتراه بقصد إقامة سكن عليها تقدم بها ملاكها من المواطنين لصندوق التنمية العقارية للاستفادة من القروض الميسرة التي يمنحها لهم بقصد مساعدتهم على بناء مساكن لهم ونظراً لانتظارهم زمناً طويلاً لحين صدور القرض المطلوب فقد قام الكثير من أولئك المواطنين وبدون تخطيط مسبق منهم فبنوا استراحات على أراضيهم تلك وهذه الاستراحات بطبيعة الحال هي عرضة للزوال بمجرد صدور قروضهم من الصندوق لهذا المواطن أو ذاك.... وبالتالي نستطيع أن نطلق على مثل هذه الاستراحات مشاريع اقتصاديات طارئة نظراً لعدم استدامتها واستمرارها، ولقد استغل الكثير من أصحاب تلك الاستراحات عدم وفرة أماكن ترفيه بالمجتمع فقاموا بتأجيرها للغير لقضاء بعض الوقت فيها وهذه الظاهرة تطلبت وجود أعداد كبيرة من العمالة التي استجلبت لخدمة مرتادي تلك الاستراحات وخاصة أثناء الليل مما أضاف عبئاً اقتصادياً على الوطن والمواطن حتى أصبحت تلك العمالة خطراً يهدد ساكني الحي حيث أن أحدنا يتجه لعمله تاركاً بيته ومن فيه ربما فريسة لأولئك العمال العاطلين نهاراً.. وللقضاء على هذا النوع من الاقتصاد الطارئ ولما فيه من سلبيات يتطلب الأمر تجديد حيوية صندوق التنمية العقارية من خلال دعمه بالأموال الكافية لتغطي طلبات المقترضين مع ملاحظة انقراض مبلغ القرض الحالي حتى أصبح لا يكفي نظراً لارتفاع تكاليف البناء بشكل عام... وإزاء هذا الوضع أصبحت زيادة مبلغ القرض مطلباً ينشده كافة المواطنين مع تعديل مدة استرداده بزيادتها بما لا يقل عن عشر سنوات عما هو معمول به حالياً، إن تراكم طلبات القروض لمدد طويلة مرده للزيادة السنوية في أعداد المتقدمين للصندوق مع عدم كفاية موارده المالية حيث بلغ معدل الطلب السنوي على الوحدات السكنية بالرياض سبعين ألف وحدة سكنية حسب الدراسة التي عملت مؤخراً بالغرفة التجارية والصناعية بالرياض فما عسانا أن نقول إن أخذنا باعتبارنا بقية المناطق بالمملكة... ولا يفوتني أن ألمح إلى خطر ترك المواطن الراغب ببناء مسكن خاص به ولأولاده أن نتركه يتجه إلى البنوك والمؤسسات المالية ليتقرض منها لشراء مسكن عبر أحد تلك الجهتين نظراً لما لذلك من خطورة عليه وعلى أولاده إن هو عجز عن الوفاء بالتزاماته تجاه تلك البنوك أو المؤسسات، ولذا يجب أن لا ندفع المواطن العادي ونضطره ليقيم مثل هذه العلاقة، بينما المواطن الثري المقتدر يستطيع تحمل شروط البنوك والجهات الأخرى المقرضة له إن هو احتاج ليقيم مشروعاً إسكانياً استثمارياً خاصاً به فلا ضير من وجود علاقة بينه وبين تلك الجهات المقرضة. إن الحديث عن مشكلة الأسكان يجرنا إلى المشاريع الإسكانية الخيرية كتلك التي تقوم بها مؤسسة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للبر بوالديه والتي ظهرت باكورة أعمالها مشروع الإسكان التنموي باعتماد مبلغ ألفي مليون ريال بناءً على توجيه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني لإنشاء مشاريع سكنية توزع على المعوزين والفقراء من المواطنين وكذلك لا ننسى دور مدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية بإنشائها لمشاريع إسكانية مثل مشروع الإسكان المقام بمنطقة الحائط بالقرب من المدينةالمنورة وكذلك لا ننسى موقف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الداعم لجمعية البر الخيرية بالرياض والمساند لها لاتمام مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري بالرياض الذي تقوم به الجمعية مشكورة وفي نفس السياق لا يسعني إلا التنويه عن موقف صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال على تبرعه ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية تبنى على نفقة سموه بمختلف مناطق المملكة لتوزع بمعدل ألف وحدة سكنية على محتاجيها كل عام.. كل هذه المشاريع تعتبر ذات أهداف سامية قامت بجهود فردية وهي تسعى لإيجاد مسكن لائق لمواطن محتاج... مثل هذه المشاريع نستطيع أن نصنفها من ضمن الاقتصاديات الطارئة نظراً لكون كل منها لا يشتمل على كافة عناصر الإنتاج مثل وجود الموارد الاقتصادية الثابتة التي تجعل المشروع دائماً ومتواصلاً لخدمة شرائح كبيرة من المنتفعين به لا أن ينتهي المشروع بانتهاء عدد الوحدات السكنية المطلوب بنائها وتنفيذها بمنطقة معينة فحسب بناء على رغبة المتبرعين لتلك المشاريع من المحسنين جزاهم الله كل خير. عليه فياحبذا لو أن الحكومة أيدها الله أنشأت هيئة إسكان وطنية ذات صفة اعتبارية مستقلة تخصص لها ميزانية سنوية على أن تضم بعضويتها وزارات وجهات حكومية ذات علاقة بالسكن والسكان... مهمتها دراسة أبعاد مشكلة السكن عند المعوزين من المواطنين خاصة، على أن تعمل مسحاً شاملاً لكافة مناطق المملكة مع إطلاعها على نتائج الاحصاء السكاني الذي عمل مؤخراً من قبل مصلحة الاحصاءات العامة بوزارة التخطيط لتحدد من خلال ذلك عناصر المشكلة وأبعادها ومن ثم تضع الحلول المناسبة لها وفق خطة استراتيجية وأبعادها ومن ثم تضع الحلول المناسبة لها وفق خطة استراتيجية وطنية، على أن تضم لها كل المشاريع الإسكانية الخيرية المقامة حالياً والمستقبلية ليتسنى للهيئة الإشراف على دراسته وتصميم وتنفيذ تلك المشاريع من قبلها مع الاحتفاظ بحق كل جهة متبرعة بمشروع إسكان خيري بأن يبقى اسمها على ذلك المشروع اعترافاً بفضلها بعد فضل الله سبحانه وتعالى، ويمكن لهذه الهيئة أن تنشئ صندوقاً خيرياً يكون بمثابة مورد مالي ثابت يعينها على إدامة مسيرة الحل ليتم بواسطته جمع تبرعات سنوية من جهات إنتاجية مثل الشركات المساهمة والبنوك وشركة أرامكو السعودية وأن يستقطع جزءاً من جبايات مصلحة الزكاة والدخل سنوياً لتودع بهذا الصندوق نظراً لأن هذا الصندوق يخدم شريحة من الفقراء تستحق الزكاة... إن قيام مثل هذه الهيئة الوطنية كفيل بتقليل تكاليف إنشاء مساكن اقتصادية ذات مواصفات مقبولة تفي بالغرض المطلوب لتوزع على الفقراء مما يجعلها تعكس صورة حضارية لكافة مناطق المملكة من خلال تنفيذها لمشاريع تليق بالمستوى الحضاري الذي وصلته بلادنا الحبيبة ولها المقدرة على استمرار عطائها لكونها تملك الموارد المالية الثابتة والخبرات الفنية الكافية واللازمة التي تجعل من بقاء هذه الهيئة بقاءً لمشروع إقتصادي دائم يتحقق بوجودها ظهور سلعة خدمية تشبع حاجة شريحة واسعة من أبناء المجتمع تمشياً مع التعريف العلمي للاقتصاد المذكور بمقدمة هذا المقال... كما لا يفوتني أن أنوه بحق انتفاع المطلقات والأرامل من أخواتنا المواطنات من خدمات هذه الهيئة بحصول المعوزات منهن على منازل لائقة تقيهن وأولادهن من مشاكل اجتماعية كثيرة. الأمر يحتاج منا جميعاً الدراسة والتفكير بصوت مسموع لوضع حلول جريئة ومناسبة للقضاء على مشكلة السكن سواء بالنسبة للمواطن العادي وذلك من خلال تفعيل دور صندوق التنمية العقارية أو من خلال إعطاء الهيئة الوطنية للإسكان المقترح إنشائها دوراً مناسباً لها حتى تتمكن من وضع حلول ناجحة لمعالة حاجة الفقراء من المواطنين للسكن اللائق والمريح والمناسب باعتبار أن السكن من أهم مقومات الحياة الكريمة لهم تحقيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى.... قبل أن تتفاقم المشكلة وتستفحل ويصعب بالتالي حلها خاصة وأن معدل الزيادة السنوية للسكان عندنا تعتبر من أعل معدلات نمو المجتمعات بالعالم.... إن ما استعرضته في هذا المقال من حلول ما هو إلا فكرة بدرت مني فطرحتها بحسن نية عساها أن تجد من المسؤولين الكرام من يتبناها أو على أقل تقدير ليتها تكون سبباً لدفع اخواني الغيورين على هذا الوطن لمواصلة التفكير لإيجاد حلول ناجعة من شأنها أن تقضي على هذه المشكلة إن وظفت الامكانات اللازمة لحلها..... والله من وراء القصد.