عندما يتأمل الإنسان رحلة عمره، يمر أمامه شريط حياته، عبر محطات متعددة، يندم على بعضها، ويتمنى رجوع أخرى، إلاّ أن السؤال المهم الذي يتبادر إلى الذهن: هل استعددنا إلى مرحلة أرذل العمر؟، وهل فكرنا كيف ستكون حياتنا بعد (60) أو (70) عاماً؟. إننا نمر في هذه الدنيا بمراحل كثيرة ومتنوعة، والإنسان كالوردة لا بد أن يذبل، وكل يوم هو في حال، فمن صحة وعافية إلى سقم، ومن فرح إلى حزن، ومن اجتماع إلى فرقة، تلك هي سنة الله في خلقه، ما أحوجنا إلى كل اللحظات في حياتنا، لنجمع زاداً كثيراً، قبل أن يأتي يوم نقول فيه: «ياليتني قدمت لحياتي»!. تصميم ورغبة يقول «د.سليمان العلي» -مستشار ومدرب برامج اطلاق القدرات وتطور الذات-: إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل، فالذين يخططون لا يتجاوزون (3%)، وهم الشريحة التي تجني النتائج الحقيقية، قال «الرافعي»: «إذا لم تزد شيئاً عن الدنيا، كنت أنت زائداً عن الدنيا»، فالمهم تصميمك، موضحاً أن أوضاع الناس المالية في سن التقاعد كالتالي: (65%) عالة على أولادهم أو التأمينات الاجتماعية أو راتب التقاعد، و(13%) مفلسون أو مدينون أو فقراء، و(26%) سيموتون، و(4%) سيكونون في وضع مادي جيد، وواحد في المائة سيكونون أغنياء، مؤكداً على أن الحياة التي نريدها ولم نستطع أن نحياها، يمكن أن تبدأ بعد سن (60)، لا أن نصر على البقاء في عملنا الوظيفي نعاني ونكابد يقتلنا الاحباط، بل وتأخذ الغربة التي نشعر بها داخل مؤسساتنا الكثير من صحتنا وعافيتنا، مبيناً أنه لا يخشى سن التقاعد بل يستعجله، وأعتقد أن حياتي النفسية ولأسرتي يمكن أن تبدأ بعد هذه السن، وستكون أجمل بإذن الله. ميراث اجتماعي وقدّم «د.العلي» نصائح منها تحديد الأهداف، حيث إنه من المهم ترك الميراث الاجتماعي الخاص، بأنه نهاية العمر، وأنه فترة الاستراحة، بل وفترة الاستمتاع بالنتائج، أو التأهب لمواجهة الأمراض المتتالية، فهذا في حد ذاته يحمل الإنسان ألماً نفسياً شديداً، بل ويحطم معنوياته، ويقتل أي جهد أو فكر في تلك المرحلة، مبيناً أنه لو راجعنا تاريخ المبدعين في مساحات مختلفة في حياتنا، لوجدنا أن معظمهم تألق وتبلورت أفكاره في الأربعينيات وما بعدها، والأمثلة كثيرة، إذن هي مرحلة مناسبة لوضع أهداف وأحلام لاستكمالهما، أو حتى بداية أهداف وأحلام جديدة، بعد أن يكون الانسان عرف نفسه وطاقاته وقدراته بشكل أفضل ليضعها في المساحة المكملة لما بدأ، مشدداً على أهمية عدم الاستسلام والهروب من العلاقات غير المرضية مع الأبناء أو الأهل، بالجلوس أمام التلفاز ليلاً ونهاراً، أو الشكوى عن التقصير؛ لأنه دليل عدم استخدام طاقتك وخبرتك في أمر مفيد لك ولغيرك. دعم نفسي ونصح «د.العلي» بإيجاد دائرة من الدعم الاجتماعي، حيث سيكون بمثابة دعم نفسي بمرور الوقت، دون الاعتماد على أشخاص بعينهم، حتى لو كانوا الأبناء، مبيناً أنه لا يجوز أن تبنى الحياة على ما سيقدمه الآخرون، أو انتظار ما قد يقدمونه في أوقات فائضة لديهم، فكلما انخرطت في عمل اجتماعي له دور وهدف وعطاء، كان المناخ الاجتماعي في حالة ثراء واستمرار وبقاء، حتى مع غياب البعض لسبب أو لآخر، مؤكداً على أنه لا اعتمادية على شخص أو مكان أو موقع جغرافي ليتحقق الدعم الاجتماعي والنفسي، كما أنه من المهم أن تتلذذ بعمل ما كنت دوماً تريد عمله وظروفك حرمتك منه، ما دام أمراً مقبولاً شرعاً وعرفاً، مشدداً على أهمية البدايات المتجددة، فلا يجب أن تضع هدفاً وحيداً بطريقة تنفيذ وحيدة، فكلما وضعت أهدافاً متنوعة، وحددت لها مسارات متعددة، تجددت معها حيويتك وصحتك النفسية باستمرار، ومن المهم أيضاً الرعاية الصحية، وممارسة الرياضة. تحسين العلاقات ورأى «د.منصور العسكر» -أستاذ مشارك في علم الإجتماع بجامعة الأمام محمد بن سعود- أنه ونحن نعيش تطور الحياة العصرية، والدورة المدنية، وفي ظل المؤسسات المدنية والتطوير الإداري، هناك مرحلة تسمى «التقاعد»، والتي يجب على كل فرد أن يخطط لها قبل أن يصلها، كالتفكير في مشروع شخصي خاص، أو تأمين أسرته بمنزل يضمهم، أو التخلص من الإيجارات، خاصةً وأن الراتب التقاعدي لن يفي بكل الاحتياجات كما كان على رأس العمل، مبيناً أن الملاحظ في المجتمع، زيادة العمر وارتفاع مستوى الصحة، حيث ارتفع عدد المسنين من ثلاثة ملايين إلى ستة في العقود الأخيرة، وفق إحصائيات المنظومة العالمية، لافتاً إلى أنه يوجد نوع من الاهتمام بمرحلة ما بعد التقاعد في المجتمع، إلاّ أن القليل هو من لا يهتم بهذه المرحلة، سواء من ناحية الصحة أو المال أو الصدقات، أو الإحسان والمعروف، وهناك من لا يهتم بحكم أنه يصرف له راتب تقاعدي، أو راتب من الضمان الاجتماعي، مشيراً إلى أن ما يقدمه الآباء من تربية وحسن تعامل وحنان وعاطفة وبذل مادي ومعنوي لأبنائهم، سيجدون مفعوله وثماره مستقبلاً. نقلة جديدة وقال «د.خالد بن سعود الحليبي» -أستاذ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء-: إن الإنسان المتوافق مع ذاته، والمنضبط في عواطفه، يعيش كل مراحل عمره بكل فرصها الجميلة، بل ويتعامل مع مشكلاتها بفاعلية عالية، ولا تمثل له أية مرحلة من المراحل سوى نقلة جديدة، بينما يحس الإنسان الانفعالي بأنه أمام أزمة، وأنه مصدوم بخصائص تلك المرحلة، مضيفاً أن العاقل، يفكر باستمرار في نهاية عمره، ويعمل من أجل أن تكون أسعد مرحلة، وأكثرها قرباً من الله، مشيراً إلى أن التخطيط للمرحلة المتأخرة من العمر هو ما يصنعه الإنسان المنظم في حياته، وعندها سيكون أكثر قدرة على التعامل الأمثل مع هذه المرحلة من العمر.