أحياناً يفتح المرء عينيه على جرائد الصباح فيجد ما يسر الخاطر، وكم كان مبهجاً للنفس وباعثاً للأمل في النفوس أن روح البذل والعطاء وحب الخير مازالا حيين تنبضان بقوة في قلوب الأخيار، ذلك النبأ الطيب في جريدة «الرياض» العدد 15964 في 16 ربيع الآخر من عام 1433ه عن تبرع كل من صاحبي السمو الأميرين الدكتور سعود والدكتور محمد إبني الأمير سلمان بن محمد آل سعود - رحمه الله رحمة واسعة - بأرض في الدلم تقدر مساحتها بأكثر من مليون متر مربع لصالح وزارة الإسكان لإقامة فلل سكنية عليها. تجاوباً مع اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالمواطن، وتلبية لنداء الواجب الوطني الذي يبدو أن سمو الأميرين مسكونين بحبه والانتماء إليه وإلى أهله الذين لن ينسوا لهما هذا الصنيع. ولو أنني أعلم أن الأميرين لديهما من الأراضي الشاسعة ما لا يضره أخذ هذه المساحة الهائلة منها، لقلت وما عليهما أن يتبرعا، لكنني أعلم كما يعلم الجميع، أن سموهما ليسا من أصحاب الأملاك الواسعة في الخرج أو غيرها، فأنعم بهما من شهمين كريمين جادا بما في أيديهما، وأبت عليهما مروءتهما ونجابة أصلهما أن يقفا مكتوفي الأيدي أمام أزمة بني وطنهم، فخلعا نفسيهما من بعض القليل الذي في يديهما، ليفرجا به عن اخوانهما، فأجمل به من عطاء، وأكرم بهما من معطاءين. لقد أبى الأميران المخلصان إلا أن يكونا على خطى أسلافهم الميامين - طيب الله ثراهم جميعاً - فضربا أروع مثل في الكرم والبذل، والإيثار في سبيل الله، تفريجاً للكروب، وستراً للأسر المسلمة، سترهما الله في الدنيا والآخرة، فلقد قدما القدوة الصالحة لشباب هذا الوطن، وجميل أنها جاءت من ابنين بارين من أبناء الأسرة الحاكمة، حتى يطمئن أبناء هذا الوطن إلى أنهم في أيد حريصة عليهم، منتمية إلى همومهم، غير معزولة عن مشاكلهم، متعايشة مع كل ما يؤرقهم، مستعدة دائماً وأبداً أن تجود بكل ما لديها لهم. إن أهل الخرج لن ينسوا لكما هذا الموقف الكريم أيها الأميران الأصيلان، بيد أن هذا لا يعني أن أحداً تفاجأ من سموكما بهذا الكرم، فهو عطاء يليق بكرم خلق سموكما، وروح الود التي تلقون بها الجميع، وأدبكما الجم الذي أصبح مضرب مثل في التواضع ولين الجانب، وحب الناس والعطف على المساكين، ومراقبة الله، وكفى بها نعمة. نسأل الله العلي العظيم، أن يبدلكما بأرضكم هذه التي جدتم بها، أضعافاً مضاعفة منها من أرض الجنة، تجنيان في رياضها صالح عملكما الذي نسأل المولى الكريم أن يجعله في موازين صالحاتكما، وفي موازين صالحات والدكم الأمير سلمان بن محمد، أصل هذه البذرة الطيبة.