القبة الخضراء هي عمل للفنان السعودي إبراهيم أبو مسمار قدّمه ضمن مشاركته في (آرت دبي 6). يأتي العمل في حجم صغير جداً إذ لا يتجاوز ارتفاعه ثمانية سنتيمترات وهو حجم قفل نحاس حقيقي قام الفنان بحفر عميق لثلاث دوائر صغيرة فيه، وحفر متوسط العمق لما يشبه الثلاثة أبواب. كما قام الفنان بإكساب ذراع القفل لوناً أخضر، وثبت أعلاه قطعة نحاسية مشكّلة بهيئة الهلال لتعطي شكل القبة الخضراء المبنية فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. إن فكرة هذا العمل - وفقاً للفنان - هي غلق باب الفتنة والنقاش حول هذه القبة، حيث من المعلوم أن بناء القباب على القبور محرّم إلا أن السلطان محمد بن قلاوون الصالحي قام ببنائها في عام 678ه رغبة في إعلاء شأن القبر وصاحبه وجهلاً منه بالتحريم، ثم توالت العناية بالقبة وإدخال التعديلات عليها من قبل عدد من السلاطين من بعده. وقد استمر الخلاف بين المسلمين حول هدمها أو عدمه، حيث رفض فريق من الناس ذلك بحجة أنه تعد على الرسول صلى الله عليه وسلم. إلاّ أن الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله وضّح في إجابة له عن هذا الأمر بأن القبة لم تهدم منذ عهد الدولة السعودية الأولى خوفاً من قيام الفتنة بين المسلمين، ولهذا أبقي عليها سداً لهذا الباب. ومن هذه الإجابة استوحى الفنان فكرته لهذا العمل، إلا أن المشاهد يجب أن يعي أن الرسالة التي يوجهها الفنان لا تنحصر فقط في موضوع القبة الخضراء، فالفنان يطرح مراراً من خلال مجموعة أعماله الأخرى فكرة مهمة جداً وهي أهمية التسامح الفكري في وقت أصبح لا مفر فيه من التعددات الفكرية، فالدين الإسلامي رسالة سامية، ومحفز للسلام، وعليه لا ينبغي أبداً شنّ الهجوم باسمه وبذريعة الدفاع عنه، خاصة حين يكون المُهَاجَم مسلم أيضاً، لكن الأداة الحقيقية للتغير وتعديل الأخطاء هي الحوار مع الآخر، وإبداء الاستعداد للسماع له وإظهار التفهم والتعاطف تجاه معتقده، تأكيداً للهدف الموحد للجميع وهو حماية الدين والمعتقد والفكر السامي. وبالرغم من أن عمل القبة الخضراء هو عمل تهمين فيه جماليات الفكرة على الموقف التأملي إلا أن جماليات الشكل حاضرة فيه. فالحجم الصغير يُشعر المشاهد أنه أمام تحفة جواهر ثمينة عليه أن يتعامل معها بحذر يليق بقيمة الدقة المبذولة في صناعتها، والقوس الأخضر المماهي لمحيط القبة يأتي تذكيراً لحلقات النقاش المفرغة العقيمة، فهو أجوف لا بداية له ولا نهاية، إلا أن اللون الأخضر يضفي عليه قداسة خاصة فهو لون القبة، ولون الجنة، ولون راية التوحيد، ولون غصن السلام. أما دقة الصانع في تشكيل وسبك تفاصيل العمل الصغيرة جداً من ثقوب في الجانب وهلال بالأعلى فلا نتمالك إلا أن نشعر أمامها بالإعجاب والتقدير. إن هذا العمل يملك حضوراً طاغياً لا يستطيع المارّ من أمامه إلاّ أن يتوقف لتأمله ليصطدم بكمية المعاني التي تثيرها لديه تفاصيل العمل حتى لو كانت قضية القبة الخضراء غائبة عن ذهنه، فالقبة الخضراء - العمل - بعنصريه الأساسيين "القفل والهلال" يبث رسالة كبيرة يدركها المشاهد فوراً من دون الحاجة للخوض في تفاصيل القبة الخضراء - بالحرم النبوي - وهذه هي علامة نجاح العمل في التعبير عن رسالة الفنان الكبرى المتعلقة باحترام الاختلاف وغلق باب النقاشات العقيمة. لكننا في النهاية لا نملك إلا أن نطرح سؤالاً بسيطاً عما كان سيحدث لو علّق الفنان المفتاح بجواره وترك للمشاهد حرية القرار؟ هل كان المشاهد سيحترم دعوة الفنان إلى غلق الحوارات العقيمة، أم أنه سيثير المزيد منها؟.. هكذا هي القبة، عمل صغير بأبعاد كبيرة!.