الذين يزعمون أن ارتفاع سعر البترول يضر المنتجين للبترول يقولون: إن ارتفاع أسعارالبترول يعقبها انخفاض أسعاره، وكذلك يشجع تطوير البدائل. هذان التبريران رغم أنهما قد ينطليان على من لا يعرف مبادىء اقتصاديات الموارد الناضبة وخصائص أسواق البترول، الا أنهما بالتأكيد خطأ لأنهما يخلطان بين النتيجة والسبب ويفتقدان مقارنة الأرباح بالخسائر. أولا: يجب أن نعرف ما هي الأسباب (أي لماذا) ترتفع أسعار البترول ثم ما هي أسباب انخفاضها وأيهما يحدث أولا فيتسبب في حدوث الآخر. ثم ما هي النتيجة النهائية على صافي دخل البترول واعادة توزيعه بين اصحاب الحق (شعوب الدول المالكة للبترول) وضرائب حكومات الدول المستهلكة للبترول وما هو التأثير على إطالة أو تقصير عمر المورد. على مر التاريخ لو تتبعنا ارتفاع وانخفاض اسعار البترول نجد ان الارتفاع حدث دائما وابدا بعد فترة طويلة من انخفاض مستمر لمعدل السعر الى الضرائب أي ان انخفاض سعر البترول لا يمرّر الى المستهلك النهائي بل يؤدي فقط الى اعادة توزيع ريع البترول فينخفض نصيب حكومات الدول المنتجة للبترول ويزداد دخل حكومات الدول المستهلكة للبترول. بينما انخفاض أسعار البترول يحدث نتيجة لزيادة مفاجئة في العرض اما لاحتياج الدول المنتجة الى الايرادات (كما حدث في الثمانينيات) واما لتفادي ارتفاع الأسعار باسم المحافظة على مايسمى السعر العادل (كما يحدث هذه الأيام). والأهم يجب ان نلاحظ ان ارتفاع سعر البترول يؤدي الى ترشيد استهلاك (وبالتالي إطالة عمر) المورد بينما العكس بالعكس صحيح فانخفاض سعر البترول يؤدي الى استنزاف (وبالتالي تقصير عمر) المورد. ثانيا: يجب تطبّيق المبادىء الأولية لحساب القيمة الحالية Value Present على مدى عمر المورد الناضب. حساب القيمة الحالية يتطلب: اولا تقدير تدفقات الايرادات الصافية (متوسط الايرادات ناقص متوسط تكاليف الانتاج) على مدى سنوات عمر البترول، وثانيا اختيار سعر الخصم (تكلفة الفرصة البديلة) المناسب لايرادات البترول. للأسف الشديد معدل الخصم وهو معدل ايجاد مصادر مستدامة للدخل للتعويض عن دخل البترول بعد نضوبه منخفض جدا في الدول المنتجة للبترول. وهذا يوجب خفض انتاج البترول او رفع معدل الخصم الحقيقي بشكل كبير عن طريق التصحيح الجذري لأخطاء خطط التنمية. كذلك بالنسبة لتدفقات الايرادات الصافية على مدى عمر المورد فإن تكاليف انتاج المتبقي من البترول - وفقا لحساباتي - آخذة في الارتفاع الكبير بسبب الاستنزاف الجائر. ولذا يجب رفع سعر البترول ليغطي زيادة التكاليف للمحافظة على مستوى صافي الايرادات. الذين يقرأون ويفهمون الكلام أعلاه بعيون وعقول مفتوحة سيخرجون بنتائج سمينة سأكتفي منها بذكر نتيجتين: اولا: ان تخفيض سعر البترول لا يمرّر للمستهلك النهائي بل يتحوّل لزيادة الضرائب وبالتالي يؤدي الى خفض (لا زيادة) الطلب على البترول. ثانيا: ان معدلات نضوب البترول الرخيص (بترول دول مجلس التعاون) اكبر كثيرا من معدلات انخفاض ميزته الانتاجية بالنسبة للبدائل، وكذلك اكبر كثيرا من معدلات ارتفاع اسعاره، مما يؤكد تصاعد الطلب عليه (لا الاستغناء عنه) على مدى عمر المورد. موضوع زاوية السبت القادم – ان شاء الله – سيجيب على اعتراضات بعض المعلقين الكرام بأن ارتفاع سعر البترول يضرنا لأنه يرفع اسعار وارداتنا من الخارج.