هل ارتفاع أسعار السيارات يضر المنتجين للسيارات؟ وبالمثل سمي أي سلعة تطرأ على خيالك ثم اسأل نفس السؤال هل ارتفاع سعرها يضر المنتجين لها؟. الجواب وفقا لمبادئ علم الاقتصاد لا، لأن ارتفاع سعر سلعة ما - مع ثبات العوامل الأخرى - يؤدي الى زيادة الأرباح (الدخل الصافي) للمنتجين وهو الهدف الذي يسعى لتعظيمه المنتج الرشيد. لماذا إذن يزعم البعض بأن ارتفاع أسعار البترول يضر المنتجين للبترول؟ يجب أن نعرف أن أوّل من روّج لشعار أن إرتفاع أسعار البترول يضر الدول المنتجة هم بعض كتاب الصحف الدارجة (وليس في الأكاديميات العلمية) الغربية والغرض من هذا الإدعاء هو: أولا: حتى لا تتحسن صورة الدول المتعاونة التي تزيد إنتاج بترولها من أجل خفض الأسعار لدى الرأي العام بإظهارها انها لا تزيد انتاجها من أجل مساعدة شعوب الدول المستهلكة، بل من أجل مصالحها الشخصية لأن ارتفاع الأسعار يضرها أكثر مما يضر الدول المستهلكة. ثانيا: يعفي حكومات الدول المستهلكة للبترول من الشكر والاعتراف بجميل حكومات الدول المنتجة ويبرر لها (بدلا من أن يحرجها) فرض الضرائب على البترول ولا يلزمها بتسهيل نقل التكنولوجيا اليها أو المساهمة الجادة في تطوير إقتصادياتها. ثالثا: يحرّض الرأي العام والمنظمات الخضراء والشركات المنافسة على إتهام حكومات الدول المنتجة للبترول بأنها المسؤولة عن تلويث المناخ والبيئة ومحاربة تطوير البدايل النظيفة. رابعا: إقناع حكومات الدول المنتجة للبترول (لا سيما التي تعيش على إيرادات البترول) بأن ارتفاع اسعار البترول يضرها فتتصرف بدلا من منتج رشيد يهدف الى تعظيم القيمة الحالية Present value للمورد الناضب كما تقتضيه نظرية الموارد الناضبة الى منتج كل همه - ولو مؤقتا - ازالة الضرر المزعوم الذي سيلحق به من ارتفاع اسعار البترول. سيقول البعض، ولكن الذين يقولون ان ارتفاع اسعار البترول يضر الدول المنتجة للبترول لا يقتصر على بعض الصحفيين الأجانب بل حتى بعض كتابنا يقولون - بين الحين والحين - ان ارتفاع الأسعار يضر الدول المنتجة للبترول. نعم للأسف هذا صحيح ولكن هذا يعود - في اعتقادي - الى التأثر النفسي الآني بما يقرأونه في الصحف الغربية من غير ان يكلّفوا انفسهم عناء التفكير متأثرين بمقولة مكّاويّة تقول: "كل افرنجي ابرنجي" فمادام ان الصحفي الأفرنجي يقول يضر فهو اذن لابد انه يضر. ايضا سيقول البعض الآخر ولكنك يا دكتور أنور أنت تتجنى على الكتاب لدينا لأنك تتجاهل انهم يبررون رأيهم بأن ضرر ارتفاع الأسعار يحدث لسببين: أولا لأن ارتفاع الأسعار يتبعها عادة انخفاضها ويستشهدون على صحة رأيهم بالتاريخ. وثانيا لأن ارتفاع الأسعار الآن يؤدي الى تشجيع البدايل وخفض الطلب على البترول في المستقبل. أنا لم أتجاهل هذين السببين، ولكن لاحظوا انني استخدمت عبارة القيمة الحالية وكتبتها بالانجليزي حتى لا يحدث التباس وهو اصطلاح لا يعرف دوره في تقدير الإيرادات على مدى عمر المورد الناضب الا من لديه معرفة بنظرية الموارد الناضبة. في زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سنوضّح مفهوم القيمة الحالية للمورد الناضب، وبالتالي إثبات أن ارتفاع سعر البترول لا يضر المنتجين.