نعيد آراء سبق أن قلناها في كلمة «الرياض» باعتبار التلاحم بين السياسة، والاقتصاد، والمواقف الواقعية، هي التي تفيد صانعي القرار، وتضعهم في مواجهة غير حرجة مع خصومهم، وأصدقائهم، وتركيا، وباكستان، كدولتين إسلاميتين، ربما هما الأنضج في توجهاتهما الراهنة، من العديد من الدول التي تتشابه أوضاعها مع البلدين.. فتركيا استطاعت أن تخرج من أثواب الأتاتوركية، بدون الإخلال بتاريخها، وقد عملت على صياغة سياسات مستقلة أقرب إلى إصلاح أوضاعها مع دول الجوار القلق، وكذلك مع أوروبا التي تريد أن تكون عضواً باتحادها، وجذب أنصارها من الامتداد التاريخي لها في آسيا الوسطى، والانفتاح عربياً وإسلامياً باعتبار هذا الفضاء جوهر علاقاتها، وهذه العقلانية بالطرح والممارسة تفتقد إليها الكثير من الدول العربية، والإسلامية، التي لا تزال الألوان عندها ثابتة تميز بين العدو والصديق بمزاجها حتى لو كانت الأسباب يمكن إزالتها، وجدولة الصراع إلى تفاهم على مصالح تراعي قصر المسافة عليها دون غيرها.. باكستان خرجت من مواريث الديمقراطيات الشكلية، والحكومات العسكرية الانقلابية، وقد ظلت حليفاً للغرب ضد التمدد الشيوعي، لكنها سقطت بتحالفها مع طالبان التي دمرت الخطوط السالكة مع الغرب، والكثير من دول العالم الإسلامي، ولعل انقلاب مشرف، وإن جاء وفق معادلات داخلية وخارجية، إلا أنه يصنّف على حكومات الإنقاذ حتى لو رأيناه بلباسه العسكري ليحكم مجتمعاً مضطرباً تتنازعه كل التعقيدات المذهبية والقبلية، ويرافقهما الصراع التقليدي مع الهند، الذي يعد مصدر التهديد، والاستنزاف لموارد الدولة الإسلامية الكبرى.. فقد حاول أن ينظف الداخل من التباينات والتحليق وراء مفاهيم وطروحات لا تتناسب ووضع باكستان، واستطاع أن يعيد جدولة ديونه مع الغرب، ويفتح الأبواب للاستثمار، ويعمل على سد الفجوات مع الهند بالدبلوماسية المرنة، وأن يكسب الصين دون حسابات التحالفات القديمة، وفي هذا يعد مشرف خلطة من مدرسة جنوب شرق آسيوية تؤمن بالإدارة السياسية المركزية، لكن لاعتماد مبدأ الإصلاحات الجذرية، وينتمي إلى ذات المدرسة التركية لتشابه الأوضاع والمفاهيم بين البلدين.. تركيا وباكستان إذا ما قُدِّر لهما لَعِبُ دور فاعل على المستوى الإقليمي والدولي أن يكونا الواجهتين لعالم إسلامي ربما يتغير إلى الأفضل، وبدون أن يفقد قيمه وروحانيته..