لو أردنا أن ننسى موضوع عُمد الأحياء تعترضنا نُتف أخبار في صحفنا المحلية عن واقعة أو حدث أو مسألة اجتماعية عابرة أو تابعة لشيء آخر، تجلب لأنظارنا عبارة العمدة. ثم لا نلبث أن نطرح على أنفسنا أسئلة عن ما هو العمدة ومن هو وماذا يعمل وماذا لا يعمل وأين يوجد وهل الوظيفة مُعممة على كافة مدن المملكة، أم أنها مقصورة على المدن الكبرى. صحيح أن اسم العمدة لامع وثقيل الوزن في مدن مثل لندن ونيويورك. وليس موضوعي هنا للمقارنة، لكنه فقط يمر عليّ عبر أخبار محلية. وإن جئنا إلى الحال في كل أنحاء الوطن العربي وجدنا نفس الوضع، وكأن العمدة معلم تراثي فقط له "مركاز" وهو زاوية مخصصة من مقهى شعبي يجلس فيه رجل ذو لباس خاص مميز، يصالح بين الخصوم ويُبين وجهة النظر القانونية والشرعية، ويترك المتخاصمين أحرارا في الأخذ برأيه أو اللجوء إلى القضاء. وهذا شيء جميل تعارفت عليه المجتمعات ولا غُبار عليه. ألتفتُ إلى ناحية أخرى من تدرّج حياتنا العملية أو الإجرائية فى السنين الأخيرة لأقول إن ما يُسمى الروتين أو العمل الورقي الحكومي والأهلي أوجد الملل عند المعطي والمستقبل (بكسر الباء) على السواء. فوجدنا ان أقل حركة إجرائية تحتاج إلى ورق وربما احتاج الأمر إلى توقيع، والتوقيع - عادة - يتطلّب انتظارا. وربما احتاج إجراء بسيطا إلى "عمدة وشاهدين"..! وختم، وهذا أيضا لا يتطلب فقط الانتظار، بل البحث عن "عمدة" وشاهدين، أو "معرّف".. العُمدة، أو مكتب العمدة هل لديه سجلات بوقائع جرت في الحيّ. وهل مطلوب منه الاحتفاظ بتلك الموثقات، وعلى أي وسيلة يعتمد. من حيث النظرة لسير أمور الناس، فالعُمدة عون ومساعدة للسلطات وللجمهور، لكننا حتى الآن لا نعرف كيف يؤدي خدماته وماهي تلك الخدمات. المفردة فُصيحة والعُمْدَةُ ما يُعتَمَدُ عليه. والمهنة جاءت من الأتراك. بدليل أن العمدة في الشام والعراق يُسمى "المختار". وقد جاءت المفردة من التركية Maioris (ماجو روس). ومهمته معرفة أحوال الناس والتعريف بها أو تزويد الدوائر الرسمية بها عند الطلب. وكان يعرف ماذا يعمل فلان وأين يسكن وأين يُصلّى، وربما عدد أولاده الذكور والإناث إلى آخره. ولا تُعتبر مستنداته القول الأخير عند نشوء علاقات إرث أو ما شابه. لكنه - أي العمدة - كان مخزن معلومات يجري تحديثها باستمرار.