بعد أن بدأت الأمور تتضح أكثر، وبعد أن التقط نظام الأسد الضوء الأخضر لحصار وتدمير مدن الثورة.. وهو يتقدم مدعوماً بموقف دولي موارب من الولاياتالمتحدةالامريكية، وبدعم مباشر من روسيا التي تجاوزت دعم النظام إلى التحريض على الأكثرية السنية في سورية.. ناهيك عن ايران التي لم تتوقف عن إمداد النظام السوري بالسلاح والمال منذ بدء الثورة.. وبعد تلك المجازر البشعة التي لا يندى لها الجبين فقط، ولكن تسحق آخر مقومات الانسانية.. وتذوي في صورها ومشاهدها وعذاباتها مفردات الاستنكار أو الاحتجاج أو الرفض، وترحل بالضمير إلى حيث كهوف البغي والعدوان الفظيع والأليم.. لا تنتظروا أيها المشغولون بالإنسان يوماً تشرق فيه شمس الحرية اذا وئدت هذه الثورة. سيكون هذا النظام وحلفه المشبوه حرباً على كل بادرة او ملمح تحرر في هذه المنطقة. سيكون مؤامرة كبرى على الاكثرية في بلدان عربية مجاورة. سيكون انتقاما فظيعا من كل صوت دعَم وساعد ورغب أن يرى سورية خالية من نظام الطغيان والظلم الطويل بعد كل ما جرى ويجري ألا يراودكم سؤال: ماذا لو وئدت هذه الثورة؟ ماذا لو أنهى النظام مهمته بعد هذه المجازر والتدمير المقصود لمدن الثورة بدعم طائفي وسياسي ومادي واستراتيجي وأمام صمت دولي مريب، وظاهرة تنديد صوتية تخفي أكثر مما تبين، وأمام تخاذل عربي تحت أوهام وحسابات خاطئة.. كيف سنرى سورية فيما اذا تحقق لنظام الاسد ولأحلافه الاقليميين والدوليين وأد هذه الثورة التي بذلت وقدمت ما لا يتخيل أن يقوى عليه بشر، ولا ينتظر من مجتمع محاصر، ولن يُقوى على الصبر عليه واستدامة فعله مهما بلغت التضحيات دون عون ومدد. إذا ما تحقق للنظام وأد هذه الثورة بعد كل هذه التضحيات الكبرى، فانتظروا ليلا طويلا معتما. فسيكون هناك طوق سيزداد شراسة وعنفا، فحلف ، طهران - بغداد - دمشق - بيروت، سيتمكن من إحكام قبضته على المنطقة، وسيتفاقم الصراع الاقليمي الذي يستنزف قدرات منطقة لم تتعافَ ولن تتعافى قريبا من أزماتها المتلاحقة، وستصبح مجالا لصراع يوقظ في بيئة هشة أعنف أنواع الصراع الطائفي. إن جرائم التدمير والتهجير والذبح والاغتصاب وقتل الاطفال بطريقة وحشية في كرم الزيتون وكرم اللوز في حمص وإدلب لا يقوى عليها سوى من يحمل حقدا دفينا تغذيه نزعة طائفية طاغية. هل ثمة أوهام بعد اليوم على قدرة هذه النزعة في تأجيج الصراع حتى الوقوع في شرك حروب طائفية مريرة وقاتلة؟! إذا خرج نظام الاسد منتصرا في معركته الكبرى مع شعبه، فسنرى سلوكا آخر لا يقل بشاعة وشراسة وعنفا وتأمرا. ثمة سيناريوهات مرعبة. سياسة تدمير مدن الثورة مسألة مقصودة لذاتها. القتل والتدمير والتهجير تحمل ملامح مشروع تفتيت الاكثرية بعد كسر شوكتها. وزرع مكونات مغايرة داخل جسد مدن متجانسة، وبعثرة المكون العربي السني لصالح مكونات يمكن التحكم فيها وربطها بالنظام. عقدة النظام السوري تتركز في المدن الثائرة المتواصلة. حمص وإدلب وحماة.. المجهود العسكري الموجه لتدمير اجزاء كبيرة من تلك المدن وعملية التهجير وإعادة التوطين فيما بعد، تحتمل مشروعا يعمل على إفراغ تلك المدن تدريجيا من تجانسها الإثني الغالب مع إعادة توزيع وتفتيت الاكثرية العربية السنية. أعتذر عن استخدام مصطلحات قد تبدو طائفية.. ولكنها التفسير الكامن لتوجيه القوة التدميرية نحو تلك المدن حتى تحولت إلى أنقاض. هناك مجهود كبير وخطير منذ الغزو الامريكي للعراق. انتزعت السلطة من عرب العراق السنة وتعزز محور طهران وبغداد على قاعدة الاحلاف الطائفية، وعبر مقاومة اسرائيل في جنوب لبنان تركزت مشروعية سلاح حزب الله الشيعي في لبنان، وأصبح بنفوذ وقوة وإمكانات تفوق إمكانات الدولة اللبنانية ذاتها.. بل هو يقبض اليوم على خناق الدولة اللبنانية. أما نظام الاسد فعزز انتقال السلطة في العراق للطائفة الشيعية من نفوذه وتحالفه مع ايران. تحويل مجريات الثورة السورية من ملامح انتفاضة سلمية إلى مواجهة عسكرية مع الاكثرية عملية مقصودة استهدفها النظام منذ اليوم الاول. إنها العملية الضرورة لكسر شوكة الحضور العربي السني من إمكانية استعادة سورية، كما هي العملية الضرورة لإعادة توزيع خريطة القوى الإثنية بما يكفل تشتيت الامتداد العربي السني المتجانس لصالح عملية تفتيت منظم يُمكّن هذا التحالف من إحكام قبضته على المنطقة لأمد بعيد. لا تستهينوا بهذا النظام، إنه لا يخوض معركة احتواء لآثار ثورة شعبية قدر ما هي معركة بقاء للنظام والحلف الذي يقف خلفه. ولا تستهينوا بقدرة هذا الحلف اذا ما وضع كافة اإمكاناته المادية والعسكرية والسياسية لدعم نظام الاسد لأنه بدونه سيخسر كل ما بناه خلال السنوات الماضية. هذا الحلف لا يستهدف وأد انتفاضة شعبية تشكل خطرا على نظام حليف فقط.. بقدر ما يخوض معركة كبرى لتأكيد سيطرته على منطقة ممتدة من مياه الخليج العربي وحتى البحر المتوسط.. ثمة مشروع يتجاوز الحلف السياسي الآني إلى مستوى القدرة على التحكم بمستقبل منطقة عبر تذويب وتفتيت ونزع مخاطر الأكثرية الرافضة لصالح الأقلية النافذة والحاكمة. كما انه من منظور إسرائيل والقوى الدولية الداعمة لها، منسجم مع أهدافها في بناء جدار طائفي، يُقسم المنطقة فعليا إلى دول أو دويلات متحالفة أو متصارعة لأمد بعيد، وهو ما يحقق لإسرائيل أهدافها في عزل وحجز طوفان بشري متجانس وممتد حتى عمق فلسطين. يُجمع هذا الحلف الطائفي الذي يحظى برضا ودعم اسرائيلي.. على وأد انبثاق حلم دولة تخرج من حضن الطائفة المستترة بواجهة نظام لا يمت للعلمنة بصلة إلى حضن مجتمع تعددي طبيعي ستعيد فيه الأكثرية دورها وتأثيرها. علمانية نظام الاسد أكذوبة لا تقل عن أكذوبة نظام المقاومة والممانعة. يعتمد النظام في بقائه على عناصر موالية ترتكز في موالاتها على جامع الطائفة أو انتهازية المصالح المشتركة، أو تحت وطأة مخاوف الانتقام المرعب من شبيحة النظام وجلاوزته. جغرافية الثورة السورية تقول إن مشروع النظام القادم في حال نجاحه في وأد الثورة الشعبية، هو سحق الأكثرية وقمعها واإذلالها وتفتيتها حتى لا تقوم لها قائمة.. وإذا هُزم وفتت هذا المكوّن العروبي الواسع.. فعلى العرب الآخرين ألا ينتظروا سوى الخناق يزيد وطأة على رقابهم. بوأد الثورة السورية سيكون الحلم العربي بأن ثمة مجتمعات تنهض من كابوس عقود العتمة والإظلام حلما بعيد المنال. لا تنتظروا ايها المشغولون بالإنسان يوماً تشرق فيه شمس الحرية اذا وئدت هذه الثورة. سيكون هذا النظام وحلفه المشبوه حربا على كل بادرة او ملمح تحرر في هذه المنطقة. سيكون مؤامرة كبرى على الأكثرية في بلدان عربية مجاورة. سيكون انتقاما فظيعا من كل صوت دعَم وساعد ورغب أن يرى سورية خالية من نظام الطغيان والظلم الطويل. إن الوقت لازال متاحا لمنع هذا الاحتمال الكابوس.. إلا ان التصدي لهذا السيناريو يجب ان يكون بمستوى الدعم الذي يقدمه حلف نظام الاسد. لتكن معركة استنزاف طويلة يدفع فيها النظام وحلفه الثمن ويتجرع المرارة كما يجرعها للأكثرية التي عانت الظلم والتشريد والقتل والاستباحة. الاستسلام لفكرة وأد الثورة هو الخطر الأكبر على السوريين الثائرين وعلى الأكثرية وعلى حلم الربيع العربي الذي توارى تحت وطأة كابوس المواجهة الدموية البشعة والتدمير المنظم. لتذهب الاموال والسلاح حيث يجب ان تذهب، لتكن معركة طويلة حتى كسر عظم النظام واأحلافه. لتكن هدفا استراتيجيا لإنقاذ بلاد الشام من مخطط لن يحكم قبضته فقط على رقاب اخواننا في سورية، ولكن سيحكم قبضته على رقابنا يوما ما اذا ما ترك له ان يقرر نتيجة هذه المعركة. أما التراخي والانتظار والبحث في أروقة المجتمع الدولي عن مخرج، بينما النظام وحلفاؤه يجهزون على بقية الثورة ويدمرون مدنها ويقتلون وينتهكون ويشردون أهلها.. فإنه بمثابة هزيمة كبرى ليس لأحرار سورية الذين يدفعون الثمن وحدهم بعد ان تخلى عنهم العالم، ولكن لكل عربي يحلم بأن يستعيد نبض العروبة ألقه بوجه أكثر انسانية وحرية وكرامة.. وهو يتخلص من أكثر النظم بشاعةً ودموية..