تُعد مرحلة "التقاعد" من أخطر المراحل التي يمر بها الشخص، وخصوصاً أنها تأتي بعد رحلة كفاح، وأعوام عديدة، ومن الممكن أن يتعرض فيها الشخص إلى حالة نفسية سلبية، جراء عدم انشغاله، وكثرة أوقات الفراغ لديه، الأمر الذي من الممكن أن يقوده إلى التدخل في جميع شؤون أبنائه وزوجته، ثم تذمرهم من بقائه معهم، أو عدم انصياعهم لأوامره!. في الجانب الآخر هناك من خطط جيداً لتلك المرحلة، وتجده منذ وقت مبكر، قد ادخر المال لحين سماعه خبر تقاعده، ثم البدء بمشروع يشغل أوقاته بما هو مفيد، كما أن هناك من ينظر إلى التقاعد على أنه مرحلة جديدة للإبداع وعدم التوقف، بمشاركته في الأعمال الخيرية، أو الشراكة مع الأصدقاء، وكل هذه الأمور تجعل منه شخصاً منتجاً يستفيد شخصياً، ويفيد الآخرين. "الرياض" تطرح الموضوع، وتلتقي المقبلين على التقاعد، فكان هذا التحقيق. تهيئة نفسية "منيرة الزامل" - معلمة على وشك التقاعد - مفعمة بالحيوية وحب الحياة، فاجأتنا بمقدار ما تحمله من طموح ورغبة في العطاء، بل وشعور عارم بالحياة و قيمتها، وقيمة كل لحظة فيها، تقول: هيأت نفسي لمرحلة التقاعد، فأنا متطوعة في عدد كبير من الجمعيات الخيرية، مضيفةً أنها تعمل مع أطفال التوحد والانفصام، كما تشارك في مكتب المتقاعدات داخل إحدى المدارس، مشيرةً إلى أنها تُحب العمل، بل ولا تُفضل الركون الى الراحة، مؤكدةً أنه بعد تقاعدها ستعمل كمندوبة مبيعات متفرغة، حتى تجمع رأسمال مناسب لمشروع عمرها، فهي تفكر في عمل مسرح للأطفال، حتى يقدم لهم مختلف أنواع المتع الثقافية والترفيهية، مبينةً أن المسرح مكان مناسب لإقامة احتفالات الصغار بنجاحهم وذكرى ميلادهم، ذاكرةً أن لديها ابنتين وابن، وجميعهم متزوجون، موضحةً أنها تعشق السفر وتحب اكتساب المعارف، وقد أخذت عدداً كبيراً من الدورات المهارية في مختلف التخصصات، حتى لا تشعر بالملل بعد التقاعد، خاصةً وأنها عملت لمدة (30) عاما في المدرسة وتدرجت كمراقبة ثم معلمة سلوك. بعض المتقاعدين يمر بحالة نفسية سلبية نتيجة الملل عمل ثان وينتظر "سليمان الغصن" - موظف - التقاعد بعد عام، حيث ينتظره عمله الخاص الذي يسعى إليه من الآن، وقال: حددت لنفسي التجارة كمصدر رزق، مضيفاً أنه يسافر إلى الصين كل شهرين، ويتجول في المصانع هناك، حتى يختار نوعية المنتج الذي سيتاجر به، مشيراً إلى أنه زار مصانع للأثاث المنزلي والملابس وغيرها، وبحث مع التجار هناك عن الأسعار والتكاليف، وقد اختار موقعاً لتجارته، مؤكداً أنه لم يبق إلاّ أن يُحدد نوعية المنتج، ولن يأتي تقاعده إلاّ وعمله الثاني جاهز، مبيناً أنه فعل ذلك حتى لا يستسلم للكسل، فهو رأى عدد من أصدقائه ركنوا للراحة، وأصبح العمل عبئاً لا يرغبون معاودته، وقد أورثهم هذا التكاسل والأمراض المعنوية والجسدية. مشروع مزرعة وأوضحت "سمر الردادي" أنها قررت أن تتقاعد مبكراً، بعد أن أمضت (20) عاماً من العمل في المجال الكتابي، مضيفةً أنها قررت أن تغير مجرى عملها وحياتها تماماً، وقد اختارت مجالا بعيداً، مبينةً أنها تحترق شوقاً إلى ممارسة عمل حر في مجال الزراعة، مشيرةً إلى أنها تمتلك أرض صغيرة، قررت استصلاحها واستثمارها، مؤكدة أنها قررت البدء في هذا الأمر بعد عام من الآن، وهي حالياً تجمع كل المعلومات وتسأل أهل الخبرة، حتى يكون الإنتاج في مستوى التطلعات. خطط لحياتك وقالت "فاطمة بنت محمد العلي" - مديرة القسم النسوي بالمؤسسة العامة للتقاعد: إذا كنت تريد أن تكون مرتاحاً في تقاعدك، فعليك أن تخطط وتعرف مقدار ما تحتاج إليه من المال بالفعل، مع كيفية إدخاره، وان استطعت أن تدخره كيف تنميه؟، وكيف تحافظ عليه؟، مضيفة أن التقاعد من العمل الرسمي يجعل المرء حراً في جميع شؤون حياته، بل وفي مشاعره وآماله وطموحاته، ذاكرةً أن الناس في مرحلة التقاعد يندرجون تحت ثلاث تصنيفات، الأول من لم يجهز لهذه المرحلة، وتجده يقضي وقته أمام شاشات التلفزيون يصرخ في أهل بيته ولا يريد التحرك من مكانه، وهذا الصنف مع الأسف الشديد هو الأكثر شيوعاً، وتتراكم عليه الأمراض والمشكلات النفسية والاجتماعية والمالية، مشيرةً إلى أن الثاني هو يكون له التقاعد بداية حياة جديدة لا نهاية حياة، فهو متشوق إلى ذلك اليوم، ويملك خططاً واضحة، وصوراً مشرقة لما تبقى من العمر في الحياة، موضحة أن النوع الثالث هو من جهز لهذه المرحلة مسبقاً، بل ومنذ أيام الشباب، سواء من اتخاذ التدابير، أو ادخار الأموال اللازمة واستثمارها بما يعود عليه بالنفع، وبالتالي فهو حقق لنفسه ولأسرته الأمان المالي، وتجده قادراً على الاستمتاع بالتقاعد ومراقبة استثماراته وهي تنمو. ادخار المال وأوضحت "فاطمة العلي" أن الشخص هو من يقرر أي من تلك الأصناف ينطبق عليه؛ لأنه لا محالة سيمر بمرحلة التقاعد، وهو من يقرر كيف ستكون حالته؛ لأن ما يزرعه اليوم سوف يحصده في المستقبل، مضيفة أنه إذا أراد حصاداً جيداً في المستقبل، فلابد أن يزرع البذور المناسبة، ولابد أن يحرص على التأكد من أنه إذا ما توقف عن كسب المال، فمن الضروري المحافظة على نفس مستوى المعيشة والرفاهية والراحة الذى تمتع بها، ناصحةً بادخار جزء من المال، وعدم الاقتراب منه تحت أي سبب، وهذه نصيحة للذين مازال أمامهم وقت طويل قبل التقاعد، أما الذين تبقى لهم عام واحد أو أقل فنصيحتي لهم أن يحاولوا فهم ذواتهم وأكثر ما تميل له أنفسهم في الأعمال الحرة، مع مباشرة تكوين قاعدة معلومات مصغرة، تشبه دراسة الجدوى، وتشمل رقما تقريبيا لمبلغ البداية في المشروع، مع العمل على معرفة الجهات التي ستحتاج إليها، وأفضل المستشارين، مختتمةً بالمقولة الشهيرة: "حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد".