في الحقيقة انك تجد قليلاً من المتخصصين يترددون كثيراً في الكلام حول هذا الموضوع لحساسيته ، ولأنهم لا يريدون أن يخطّئوا الأطباء القدامى الذين قالوا إن هذا المرض لا شفاء منه .. ولهم أن يحترموا الأطباء القدماء ولكن ليس على حساب الحقيقة ولا على حساب المريض الذي قتله الإحباط واليأس !!.... قد يكون هذا الكلام مقبولًا قبل خمسين سنة قبل صنع مثبطات استرجاع السيروتينيين الانتقائية ؛ والتي تعمل على الناقل العصبي الذي يعتقد البعض أن نقصه هو المسبب للوسواس القهري ، وقد يقبل هذا التشاؤم قبل تطور أدوات وطرق العلاج السلوكي المعرفي ، أما بعد هذه الإمكانات التي فتح الله بها على العباد فلا يصح أن يقال مثل هذا الكلام التشاؤمي ، خصوصاً وانني من خلال عملي في هذا المجال قد رأيت الكثير من الوسواسيين يتحسنون ويشفون ، وقليل جدا من يتأخر شفاؤهم ، وأقل القليل من لا يتحسن أو يشفى ولعل مرجع ذلك إلى أسباب وراثية فسيولوجية.. ولأن لغة الأرقام لا تخطئ ، فإن بعض الدراسات الاحصائية قد أجريت على عينة وسواسية عشوائية ، فخرجت النتائج بعد عام من العلاج الدوائي فقط ؛ بأن ثلاثين بالمئة شفوا تماما ، وأن خمسين بالمئة تحسنوا تحسنا كبيرا ، وان عشرين بالمئة لم يطرأ عليهم تحسن .. أما في بيئتنا فالوضع مختلف جدا ، ويثير الحيرة ، فتجد أن الوسواسي عندما يقتنع بالدواء وبالعلاج السلوكي تجده يتحسن بسرعة هائلة لا تكاد تجدها في المجتمعات الأخرى ، وذلك لأن المريض يلجأ إلى الله ويدعو كثيرا ويفعل الأسباب ، فيكون التحسن سريعا جدا ، وفي الجهة المقابلة تجد ان الوسواسي يتعامل مع الدواء وكأنه حبة مسكنة للصداع فيجربها أسبوعا ثم يتركها ، وبعضهم يأخذ الدواء على استحياء ويستخفي من الناس ، ويشعر في نفسه انه يرتكب خطأ وعيبا وسُبة ، وعندما تمضي أيام قليلة يرمي الدواء متخلصاً من هذا السم الذي أثبتت الأيام انه لا فائدة منه !!.. بينما لو كلف نفسه وقرأ في الورقة المرفقة مع دوائه لعلم ان هذه الأدوية النفسية ليست سحرا يعمل في التو واللحظة ، بل إن مفعولها الحقيقي لا يبدأ في بعض الأحيان إلا بعد مرور شهر من الاستمرار والمحافظة على الوقت والجرعة دون إخلال أو تفويت ، وربما ظهرت النتائج وعاد الوضع إلى طبيعته بعد انتهاء فترة ستة أشهر من بداية العلاج .. أريد ان أختم بقولي إننا قبل أن نتهم العلاج الدوائي والسلوكي للوسواس القهري يجب أن نتهم أنفسنا ومدى التزامنا بالدواء وقتاً وكمّا ، ومدى اهتمامنا بالعلاج المعرفي السلوكي والجلسات النفسية ، ومتى تخلصنا من ثقافة ( الدواء أبو يومين) ، الذي تشربناه من علاجات النزلات المعوية ونشلات البرد ، وعرفنا أن التغيير في كيميائية العقل يتم ببطء يتناسب مع عمله وحساسيته ، عندها نكون قد وعينا وفهمنا مامعنى الأمراض النفسية والعقلية.. وعلى دروب الخير نلتقي ...