جامعاتنا هذه المؤسسات التي تحتضن شباب المجتمع في أخطر مراحله العمرية حيث تقدم هذه الجامعات الطلاب كما العرسان الجدد إلى قفص الحياة العملية وربوعها لذلك هي من المؤسسات الأهم بعد الأسرة التي تقدم ابنها للمجتمع من خلال مؤسسات التعليم ليصل في النهاية إلى الجماعة التي تعيده مرة أخرى إلى المجتمع. هذه هي فلسفة التعليم العالي تحديدا ودورها تجاه صناعة الشباب في المجتمع ولكن يبقى السؤال المهم وهو كيف تتم هذه الصناعة، وما هي المواد المستخدمة في هذه الصناعة..؟ بلا شك فإن تلك الميزانيات الكبيرة للتعليم العالي التي توفرها قيادة هذا الوطن في مقابل عدد الجامعات في المملكة تجعلنا نستبعد فرضية نقص المال لتقديم الأفضل فما يتم ضخه في التعليم من ميزانيات يشكل نسبة كبيرة من ميزانية هذا الوطن. إن إحساس الطلاب في الجامعات بأنهم جزء من عملية التنمية وكذلك الأساتذة يجعل دورهم واضحا وأهدافهم سهلة المنال وخاصة اأن جامعاتنا يتوفر لها الكثير من مقومات التميز وخاصة مع الدعم المالي الذي توفره لها الحكومة لذلك هي مطالبة بالتوافق والتطور بما يوازي ما تحصل عليه من إمكانات.. لذلك أطرح من خلال هذا المقال فكرة حول مفهوم التنمية بالخيار ليس من اجل الأكل والصحة ولكن من اجل النجاح فكلمة الخيار تأتي هنا من منهجية تعدد الخيارات فكيف يمكن تحويل فكرة الخيار إلى فكرة نجاح؟ فكرة (الخيار) أستعيرها من شاب سعودي من المبدعين ولعله يأذن لي بذلك حيث تدور فكرة الخيار عندي على منهجين: الأول أن يكون الاختيار هو الفلسفة التي تسير عليها الجامعات السعودية وخاصة مع تزايد أعداد الطلاب في المملكة بمعنى دقيق أن نفكر في أن نجعل الجامعات السعودية قائمة على الاختيار المنهجي بين تلك الجامعات كمؤسسات حكومية لها أنظمتها، وبين طلابها وحقوقهم في توفير أفضل الكوادر البشرية وأفضل البيئات التعليمية بحيث نعطي الطلاب والأساتذة فرصة (الخيار) من اجل الاختيار. الجامعات السعودية تدرك أنها تعيش في زمن (الكوليرا الالكترونية) فمن المعروف أن الكوليرا مرض سريع الانتشار وكذلك كوليرا التواصل الاجتماعي والانترنت والإعلام الجديد حيث لا أحد لم تصبه حمى التواصل والانترنت لذلك يجب أن تتحول جامعاتنا إلى مؤسسات متوافقة مع هذا النوع من التقنية اجتماعيا وأكاديميا وهذا ما يجعلها بحاجة إلى منهجية التنمية بالخيار. جامعاتنا اليوم بحاجة إلى (الخيار) ليس من اجل زراعته في كلية الزراعة أو حتى أكله ولكن من اجل تفعيلة على الواقع، النظام الأكاديمي والمجتمع الطلابي بحاجة إلى أن يبني اختياراته على ما يحقق طموحاته وأهدافه في الجامعات بهدف القضاء على أي شكل من أشكال العلاقات المتشنجة والتي يمكن أن تحدث بين الطلاب والأساتذة، وبين الأنظمة والبيئة الأكاديمية. يقول لي احد الأساتذة في احدى جامعاتنا أنا رئيس قسم وتقوم علاقتي البيروقراطية مع زملائي وفق نظام التعاون فليس هناك أنظمة واضحة تحمي العمل من اجل الطلاب والجامعة وهذا قد يؤخر الكثير من الأعمال ويساهم في عزوف الأساتذة عن تلك الأعمال. مديرو الجامعات يتم تعيينهم وفق منهجية لا تختلف كثيرا عن السائد اجتماعيا في تعيينات مماثلة ولكن ذلك كمنهجية قائمة يمكن تطويره ليتكيف مع هذه المرحلة وخاصة مع تعدد الخيارات لآليات التعيين لمثل هذه المناصب، لذلك أقول للذين يغلقون آذانهم عن الأصوات خشية السماع: إن عدد طلاب الجامعات السعودية سوف يتضاعف بما يقارب الضعف مع نهاية هذا العقد!!!. جامعاتنا يجب أن تتحول إلى عامل تنموي يساهم في إحداث التحول والتغيير بطريقة ممنهجة وعملية، وآمنة تحمي المجتمع وتساعد الطلاب على فهم محتويات التغيير الاجتماعي بمرونة، وتدربهم على ممارسة الأسلوب الأمثل لتحقيق التطور والتغيير في حياتهم الجامعية والمجتمعية بعيدا عن فرض الحلول وقريبا من تقديم (الخيارات) لهم لكي يتم بناء شخصياتهم بشكل أكثر توافقاً مع الحياة التي سيخرجون إليها بعد سنوات من البقاء في الجامعات. في النظام الأكاديمي في الجامعات لابد من التحول من فكرة الوظيفة الدائمة إلى فكرة الوظيفة المتطورة فالجامعات هي مسرح أكاديمي وليست مسرحاً وظيفياً والمسرح الأكاديمي بحاجة إلى تطور وبحوث وأنظمة تحمي حق الأساتذة المميزين وتفرقهم عن الأساتذة الموظفين. النظام الإداري من رؤساء الأقسام وعمداء الكليات وحتى مديري الجامعات يجب أن يخضع لعملية الاختيار فمن مقومات التنمية بالخيار أن يكون الانتخاب احدى الأدوات القائمة في جامعاتنا. فلن تنجح الجامعات مادام رئيس القسم أو عميد الكلية أو حتى رئيس لجنة حيوية يعين بشكل مباشر دون مشاركة الأساتذة والطلاب، فلماذا لا يكون هناك نظام انتخابي يستخدم فلسفة (الخيار) يتم من خلاله اختيار من يتفق عليه الجميع وبطريقة عملية يمكن توزيع النسب بين الطلاب والأساتذة لجعل الانتخاب فعالًا ؟ بمعنى دقيق (الخيار) هو الحل الوحيد لدرء كل المشكلات التنظيمية والاكاديمية في الجامعات وخاصة في المواقع الأكاديمية المتحركة كرئيس قسم أو عميد كلية أو وكيل كلية الخ,... حتى مدير الجامعة يجب أن يخضع ولو بشكل جزئي إلى انتخاب ولو بشكل غير مباشر. الجامعات بحاجة إلى استيعاب التحولات المجتمعية بطرق علمية يتم بحثها في أروقة الجامعات بل إن السياسة والاقتصاد وصناعة القرار لابد وأن تتوقف كثيرا لفهم عملية تغيير المجتمعات من خلال الجامعات بطريقة تسهم في تنمية المجتمع وتحافظ على أركانه الأساسية. وجود إدارات التطوير والتخطيط في التعليم العالي أو الجامعات يجب أن يتجاوز دورها مجرد ملء نماذج وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى تخطيط وتطبيق فعلي يتوافق مع متطلبات العصر الذي نعيشه لذلك لابد من إعطاء الجامعات اكبر قدر من الخيار لأنها هي القادرة على تقديمه بشكل أفضل. الطلاب والأساتذة في الجامعات بحاجة إلى من يمنحهم الخيار وهو من الأدوات التي تساعدهم على إحداث التغيير والتحول والتطور والتنمية في جامعاتهم لصالح المجتمع.. إن إحساس الطلاب في الجامعات بأنهم جزء من عملية التنمية وكذلك الأساتذة يجعل دورهم واضحا وأهدافهم سهلة المنال وخاصة اأن جامعاتنا يتوفر لها الكثير من مقومات التميز وخاصة مع الدعم المالي الذي توفره لها الحكومة لذلك هي مطالبة بالتوافق والتطور بما يوازي ما تحصل عليه من إمكانات..