يخنقنا الغبار ويحجب أفق الرؤية؛ فترتفع وتيرة الانفعال ويصبح الغضب هو السمة العامة لكل من يواجه عواصفه التي لا يفلح معها إغلاق الأبواب، أو ترطيب الأنوف، حيث أصبح من الملاحظ تكرار حدوث العواصف الترابية بدرجة أكبر مما كانت عليه في الماضي القريب، فبدلاً من أن تحدث مرتين أو ثلاث في نهاية الشتاء وخلال فصل الربيع، أصبحت تحدث مرات كثيرة بعد إرادة الله، ولا تقتصر العواصف الرملية والترابية على المملكة؛ بل هي سمة من سمات المناطق الجافة والصحراوية، وقد غطت العواصف الغبارية بعض الدول المجاورة، مثل الكويت والعراق وأجزاء من الأردن وغيرها، إلى جانب الدول المجاورة للصحراء الكبرى، وتلقي هذه العواصف بآلاف الأطنان من الغبار على المناطق التي تمر بها، ولا شك أنّ قلة الأمطار والجفاف المتكرر - نتيجة التغيّر المناخي - من مسببات العواصف الرملية والترابية. أضرار الغبار أمّا عن التاثيرات السلبية للغبار فهي متعددة سواءً على صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الممتلكات، فالتأثير في صحة الإنسان يكون على الجهاز التنفسي الذي يعد خط الدفاع الأول له، حيث يعدّ الأنف المدخل الرئيس لهذا النوع من التلوث، وما يسببه ك "العطاس" المصحوب بإنسداد في الأنف، إلى جانب الكحة وإلتهاب العين والحلق والشعور بالحكة في الجلد، كما يؤثر الغبار في مجال الرؤية وحوادث السير، والتأثير في المسطحات الخضراء والنباتات والأشجار يكون من خلال تغطية سطح الأوراق، وبالتالي إضعاف عملية التمثيل الضوئي، وإغلاق مسامات "ثغور" أوراق النباتات بفعل ترسيب الملوثات عليها؛ ما يعيق عملية التنفس و"النتح"، وبالتالي إصفرار الأوراق وذبولها وموت النباتات، إضافة إلى أنّ الغبار قد يعيق عملية التلقيح لترسبه على "مياسم" الأزهار، وقد يؤدي إلى انسداد المسام وجذب العناكب والحشرات وخاصة على نباتات "الخيار" و"القرعيات"، وهذه الحشرات تمتص عصارة النبات، وتتغذى على الأوراق؛ ما يؤدي إلى ضعفها وإصفرارها، وحركة الرياح المحملة بالغبار قد تتسبب في كشط سطح الأوراق، وبذلك يحدث إجهاد للنبات ذاته. المملكة شهدت عواصف ترابية أثرت في صحة الإنسان والبيئة كيمياء النباتات كما أنّ هناك تأثير غير مباشر على النبات يحدث من تراكم الغبار على الأرض، وقد يؤدي إلى حدوث تغيّرات في كيمياء التربة؛ الأمر الذي يتسبب على المدى الطويل في حدوث تغييرات في كيمياء النبات، ويؤثر الغبار في الأشجار، خاصة المثمرة التي يقلّ إنتاجها كثيراً؛ ما يؤدي إلى أضرار اقتصادية وخسائر مادية، وكذلك يتسبب الغبار والرياح القوية باقتلاع بعض المزروعات، وفي بعض الأحيان تنتزع أوراق الأشجار وثمارها، ومن الأضرار الكبيرة أيضاً أنّ الغبار قد يكون محمّلاً بالآفات الزراعية التي تسبب انتشار الأمراض في المزروعات الموسمية، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان محصول بأكمله، إضافة إلى أنّ الرياح والأتربة تجفف النباتات وتكون عاملاً في إزدياد حاجتها للمياه. مسؤولية الإنسان ولا يمكن تبرئة الإنسان من المسؤولية؛ حيث أدى الرعي الجائر إلى تدمير الغطاء النباتي وتفكيك التربة، كما أسهم الاحتطاب واقتلاع الأشجار والشجيرات إلى سهولة تحريك التربة ونقلها من قبل الرياح العاتية، أيضاً تسبب السير العشوائي بالسيارات في الصحاري إلى دهس النباتات وتفكيك التربة وإثارة الأتربة؛ ما جعلها عرضة للتحريك والنقل من قبل الرياح، كما أن كثير من الشركات العاملة في مشروعات الطرق أو المنشآت السكنية والتنموية لا تهتم بالبيئة عند تحديد مواقع أنشطتها، وذلك يسهم في تدمير البيئة وإثارة الأتربة، وتسهم كذلك بعض المحاجر والصناعات مثل الكسارات في إثارة الأتربة. فوائد الغبار ويرى "د. عبدالملك بن عبدالرحمن ال الشيخ" المشرف العام على معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحاري بجامعة الملك سعود والأمين العام لجائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، أنّ للغبار فضل كبير علينا حيث قال: "التأثيرات الإيجابية للغبار تبدأ من قوله تعالى في كتابه العزيز: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) "الحجر: 22"، وقد أوضح علماء النبات أنّ التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح من العناصر الذكرية للزهرة إلى العناصر الأنثوية فيها حيث يتم الإخصاب، ويضاف إلى ذلك أنّ الغبار المنتقل إلى أسطح البحار والمحيطات يعتبر مصدر الإمداد الأساسي للعناصر المهمة في المحيطات كالحديد والفسفور والسيلكون والمنغنيز والنحاس والزنك، وتلك العناصر تلعب دورًا مهماً في تغذية وتكاثر الكائنات الدقيقة النباتية البحرية، وزيادة ونمو هذه الكائنات يؤدي إلى تقليل مستوى التركيز الجوي لغاز ثاني أكسيد الكربون - أحد أهم غازات الاحتباس الحراري - كما أنّ الزيادة في نشاط الغبار تتسبب في هطول الأمطار؛ ما يساعد على تجميع حبيبات الأتربة الطينية الدقيقة من المناطق المرتفعة نسبيًا، وترسيبها في المناطق المنخفضة كقيعان تجمع مياه الأمطار وأودية جريانها، وهذه المسطحات المائية ما تلبث أن تتبخر وتجف مخلفة وراءها طبقة سطحية غنية بحبيبات طينية دقيقة تزيد من خصوبة التربة".