سلوك المتعاملين في سوق الأسهم السعودية قبل انهيار فبراير 2006م أشبه بسلوك الأمريكيين في منتصف القرن الثامن عشر عندما سيطرت عليهم فكرة الثراء السريع عن طريق البحث عن الذهب. وبعد الانهيار استمرت المحاولات اليائسة للتعويض إلى أن بلغت خسائر بعض المتعاملين80% من رأس المال. وفاقم من سوء الأوضاع البطء في الحد من النشاط المحموم للمضاربة الذي حول السوق المالية السعودية من أداة لدعم النمو الاقتصادي إلى صالات قمار. لم يكن هناك تمييز واضح بين الشركات الرابحة والخاسرة، فقد شوهت عمليات المضاربة آلية التسعير وعبثت بمعايير التوازن بين العوائد والمخاطرة. وانصرف معظم المتعاملين عن تقييم المخاطر والاستثمار طويل الأجل إلى الاستثمار في شركات لم يكن أداؤها مقنعاً ولم توزع أي أرباح نقدية لأكثر من 15 سنة. والكثير من المتعاملين لا يدركون حجم الأرباح الدورية والفرص المجزية للاستثمار طويل الأجل في بعض الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية "تداول". فعلى سبيل المثال حقق سهم شركة "سابك" معدل ربح سنوي 7,5% خلال الفترة من نهاية عام 2004م إلى نهاية عام 2011م، حيث بلغ حجم الأرباح الموزعة 247.2 ريال لكل سهم خلال الفترة، كما أن الشركة منحت مساهميها 6.6 أسهم مجانية لكل سهم. وإذا أضفنا إلى ذلك قيام هيئة السوق المالية بتجزئة القيم السوقية من 50 ريالاً إلى 10 ريالات في إبريل 2006م، فإن كل سهم في نهاية عام 2004م يساوي 11,6 سهم في نهاية عام 2011م. وحقق سهم مصرف الراجحي معدل ربح سنوي 9,2% خلال نفس الفترة، وسهم شركة "سافكو" معدل 44,9%، بل تمكن سهم شركة جرير من تحقيق معدل ربح سنوي 70,8% نتيجة لارتفاع عدد الأسهم الممنوحة والأرباح الموزعة. والجدول أدناه يوضح حجم عوائد الاستثمار طويل الأجل في بعض الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية. ويلاحظ من الجدول ارتفاع عوائد الاستثمار في قطاع الأسمنت. كما يلاحظ الخسارة غير المتوقعة التي حققها سهما شركة كهرباء السعودية (2,3%) وشركة الاتصالات السعودية (3,5%) خلال الفترة، وقد يكون ذلك ناتجاً عن تقييم السهم بأقل من قيمته الحقيقية في نهاية عام 2011م أو تضخم سعر السهم في نهاية عام 2004م. لكن حجم هذه الخسائر لا يقارن على الإطلاق بحجم الخسائر التي تكبدها معظم المتعاملين في السوق المالية بسبب عمليات المضاربة. وفي كل الأحوال ينبغي التأكيد على أن هذه النتائج مبنية على بيانات تاريخية قد لا تتكرر في المستقبل, كما أن القرار الاستثماري لا يمكن اتخاذه بأثر رجعي، بل يجب الحذر من الوقوع في فخ تقييم السياسات والقرارات بأثر رجعي فنكون كصياد تاكسس "Taxes Hunter" الذي يطلق الرصاص على الحائط ثم يضع دائرة صغيرة في المكان الأكثر تعرضاً للإصابة. وكل هذه النتائج مرهونة بأداء الجهات الحكومية ذات العلاقة بالرقابة على الشركات المدرجة في السوق المالية، وهذه مخاطر يجب مراعاتها عند اتخاذ القرار الاستثماري، ولا توجد أي ضمانات مطلقة بهذا الشأن، فعلى سبيل المثال تعرضت شركة الغاز الطبيعي ENRON الأمريكية للإفلاس بعد أكثر من 9 سنوات من توزيع الأرباح والبيانات الجيدة. *مستشار اقتصادي