إذا كان القول صحيحا بضرورة وأهمية سرعة إجراء عملية إعادة تنظيم شاملة للجهاز الإداري في المملكة، فإن ذلك يفرضه ويتطلبه أهمية تأسيس واقع إداري جديد يتماشى أولا مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي الحالي للمملكة، ويضيف تطوراً، ومفاهيما جديدة للواقع الحالي، وصانع القرار أدرك ذلك، وهذا هو سبب التغيير الذي تم في قيادة المؤسسة المسؤولة عن سياسات وأهداف وشكل ومخرجات الجهاز الإداري للدولة وهي وزارة الخدمة المدنية عبر تعيين الدكتور عبدالرحمن البراك وزيرا للخدمة المدنية، وهو وإن كان امتداداً لجهد وفكر ورؤية كرسها الوزير السابق، فهو مؤهل أكاديميا، حيث يحمل الماجستير والدكتوراه في تخصص الإدارة العامة من جامعة (بتسبرج) وهي إحدى أشهر الجامعات الأمريكية في هذا المجال، ولمعاليه أبحاث منشورة منها بحث بعنوان ( مدى الحاجة إلى الإدارة الاستراتيجية في القطاع العام) وآخر بعنوان ( الجمود الوظيفي في القطاع العام بالمملكة العربية السعودية )، وجاءت عضويته في مجلس الشورى عام 1422 ثم رئاسته للجنة الإدارة والموارد البشرية والعرائض في المجلس عام 1428، التي تلاها مباشرة تعيينه مساعدا لرئيس المجلس، ليضيف له إطلاعا مباشرا على واقع هذا الجهاز الحكومي الذي تصب تقاريره وهمومه وأوجاعه في التقارير التي ترفعها الوزارات والجهات الحكومية الأخرى لمجلس الشورى وما يعنيه ذلك من حضور أصحاب الشأن الحكومي للمجلس لاستيضاح تقارير جهاتهم. الوزير تنتظره مهام صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وملامسة الواقع وإيجاد مخرج ملائم لخلق واقع أفضل لجهاز الخدمة المدنية هو الهدف الأساسي، فالعمل الإداري الحكومي في وضع صعب مترهل، ويسوده الروتين الإداري، ويوجد به جميع أنماط الفساد الإداري كاستغلال الوظيفية والمحسوبية وسرقة وهدر المال العام، وهو ما يفرض دراسة جادة ينتج عنها معالجة ظاهرة الروتين وما يعنيه ذلك من أهمية إعادة النظر في آلية تصنيف الوظائف وتوصيفها، وإعادة النظر في منظومة الأجور والرواتب والمكافآت عبر إيجاد شكل جديد من سياسات التحفيز سواء فيما يتعلق بالرواتب والأجور والمكافآت المادية، أو التحفيز المعنوي المتمثل في ترقي مرتبة الموظف، وإدخال التعديلات التشريعية المناسبة التي تدعم ذلك عبر تعديل نظام الخدمة المدنية الحالي بشكل يعدل تركيبة الوظيفة العامة التي ما زالت تتبع نموذجا تقليديا مغلقا يدخل فيه الموظف إلى الوظيفة ويستمر فيها حتى التقاعد دون النظر إلى إنتاجيته، وأهمية ربط نمو المسار الوظيفي للموظف بارتفاع المسار التدريبي له بهدف تأهيل الكوادر على المستويات الوظيفية كافة وخاصة القيادات العليا، التي يفترض إلحاقها وبشكل سنوي دائم ومستمر ببرامج فعالة لتنمية معارفها الإدارية وإكسابها مهارات التخطيط الاستراتيجي وآليات وأدوات تنظيم الوقت، وغيرها من المتطلبات التي تساهم في إعادة ضخ الحياة في هيكل الجهاز البيروقراطي الحكومي المترهل. التحدي ليس سهلا أمام الوزير، ويجب ألا يتوقع أحد أن عمل الوزير – أي وزير – هو توقيع الأوراق والخطابات والتأشير على المعاملات، فالوزير مهمته استراتيجية تخطيطية قيادية وليست مهمة تنفيذية بحتة وسهلة، ولذلك ننتظر من معالي وزير الخدمة المدنية إعلان برنامجه للمهتمين والمتابعين وللمجتمع المحلي بعد إطلاعه على الوضع الحالي، وإعطاء الوقت لمعاليه عنصر مهم حتى يمكنه لمس الخلل وإجراء التغيير المطلوب اللازم والمطلوب والضروري.