لم يكن الموقف السعودي الحازم تجاه نظام الأسد في سورية مفاجأة إلا لمن يجهلون طريقة عمل الدبلوماسية السعودية. فالمملكة لديها دائما موقف واضح تجاه ما يجري في محيطها الحيوي، وهي في مواقفها تنحاز، باستمرار، للجانب الأخلاقي والإنساني من أي قضية. لكن ما يميز الدبلوماسية السعودية هو بعدها عن الاستعراض وتفضيلها للدبلوماسية الهادئة والرصينة التي تستطيع أن تؤثر من خلالها إيجابيا في مسار الأحداث دونما إحراج أي طرف. بيد ان المملكة لا تتردد بإظهار موقفها بوضوح، وبصوت عال، متى ما أحست أن المصالح الحيوية للعرب أو المسلمين على المحك. ويكفي للتدليل على ذلك استذكار تلك الرسالة الحاسمة التي وجهها الملك عبدالله حينما كان ولياً للعهد للرئيس بوش الابن والتي يهدد فيها بإعادة النظر في أساس العلاقة السعودية - الأمريكية ما لم تتخذ الولاياتالمتحدة موقفا عادلا تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي. أحداث سبتمبر، للأسف، تسببت في التأثير على ذلك الجهد وإن كان الاعتراف بحل الدولتين قد حصل نتيجة تلك الرسالة. وبالعودة إلى الموضوع السوري فان الشك لا يساورني بأن سلسلة المواقف السعودية الحازمة والمتكررة مؤخرا ما كانت ستظهر للعلن لولا استنفاد جميع السبل لحمل النظام السوري على إيقاف آلة القتل والبدء بإصلاح حقيقي يلمسه المواطن السوري على الأرض. فالنظام السوري غدا، في الواقع، جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل. ولعل أوضح تعبير عن الموقف السعودي جاء بلسان الملك عبدالله نفسه. فكلمة الملك أمام ضيوف الجنادرية والتي عبر فيها عن اهتزاز الثقة في قدرة مجلس الأمن الدولي على تحقيق العدل والإنصاف وأن العالم يجب أن تحكمه القيم والأخلاق لا حفنة من الدول.. تلك الكلمة كانت إعلانا بأن النظام السوري اجبر الجميع للجوء لحل دولي بعد إجهاض أي إمكانية لحل عربي. ثم جاء الإعلان السعودي عن فحوى الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي بخادم الحرمين الشريفين والذي قال فيه الملك للرئيس بأن المملكة لايمكنها أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سورية وشدد فيه بأنه كان من الأولى بان يتحاور الروس مع العرب قبل استعمالهم للفيتو وانه لا جدوى من الحوار الآن فيما جرى.. هذا الإعلان يوضح للروس بان الفيتو خلّف لدى العرب مرارة لايمكن غسلها إلا باتخاذ الموقف الأخلاقي المناسب. التصويب السعودي تجاه الموقف الروسي، بالتحديد، يرمي لجعل روسيا تدرك بأن دعمها للنظام السوري هو الذي يمكنه من قتل المزيد من الأبرياء، وأن العرب يحملون الروس مسؤولية تقديم الدماء العربية قرباناً لمصالحهم الضيقة. فهل فهم الروس الرسالة السعودية؟