اتسمت علاقات المملكة مع الدول الكبرى ومنذ فجر التكوين بالاحترام ورفض أساليب التبعية والهيمنة في التعاملات السياسية والدبلوماسية مع تلك الدول، وهو ما وضع لهذه العلاقات أطرها ومحدداتها الخاصة بما جعل مواقف المملكة انعكاسًا لاستقلالية قرارها الذي ظل يعبر عن الضوابط الدينية والأخلاقية التي تحكم تلك المواقف، وهو ما تمثل في العديد من المناسبات على مر التاريخ بدءًا من موقف جلالة الملك عبدالعزيز – يرحمه الله – عندما رفض تسليم رشيد عالي الكيلاني لبريطانيا عندما لجأ إليه بعد فشل ثورته ضد المحتل البريطاني وصدور الحكم عليه بالإعدام حيث قال الملك عبدالعزيز قولته المشهورة: «لن نسلمكم الكيلاني حتى يفنى آل سعود». وقد تكرّرت مثل تلك المواقف من قبل القائد المؤسس ومن قبل أبنائه البررة من بعده، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- حيث لا يزال العالم يذكر موقفه في يونيو 2001 وقت أن كان وليًا للعهد عندما رفض تلبية الدعوة التي وجهها له الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لزيارة واشنطن إلا بعد أن تبذل الولاياتالمتحدة جهودها لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. تكرر هذا النوع من المواقف برد المليك المفدى على الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما أمس الأول وتمحورت بشكل أساس حول تطورات الأحداث في سوريا بأن المملكة لا يمكن إطلاقًا التخلي عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه تلك الأحداث وبأن أي حوار يجري الآن حول الأحداث الجارية في سوريا لا جدوى منه بعد استخدام موسكو الفيتو في مجلس الأمن، مشددًا على أنه «كان الأولى للأصدقاء الروس أن يقوموا بتنسيق روسي – عربي ذلك الفيتو». هذا التكرار بمضمونه الحاسم لا يعكس مجددًا الثوابت السعودية وحسب، وإنما يؤكد أيضًا على مكانة المملكة المتنامية ودورها المحوري الحيوي في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا ذات البعد الإنساني والأخلاقي، إلى جانب الرسالة التي حملها هذا الموقف لكافة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بأن المملكة لن تسمح بأن يكون الفيتو سلاحًا لدعم إرهاب الدولة أيًا كانت تلك الدولة.