أكبر مَنْ يستقبل الأزمات المنطقة العربية والسبب لا يعود لمن يحرك سياسته وفق خطط ومواقف تخدم استراتيجياته، بل بالوضع العربي برمته الذي عجز أن يكون له خط واضح تنبني عليه سياساته بعيداً عن عقلية الاقليم، والسيادة، وعدم تطابق الأهداف رغم أننا في الجبهة الواحدة أمام عدد مستتر وآخر واضح.. قسمنا «سايكس بيكو» وقلنا إنها مرحلة لم نملك سيادتنا واستقلالنا، شأنها مع دول كثيرة قُسمت في تلك المرحلة لخلق أزمات حدود مثلما جرى بالكوريتين وباكستان والهند وغيرها، لكننا عربياً، لازلنا نعيش هاجس التقسيم برؤى معاصرة فقد راجت إشاعات منح سوريا لبنان مقابل تنازلها عن الجولان لإسرائيل، وربما كان المخطط جاهزاً أو عارضته إسرائيل لأسباب أمنية رافضة توسيع رقعة سوريا، أو أن المسألة كانت تجري ضمن سياسة توريط لحكومة دمشق في دخول حرب مع لبنان باعتباره مستقلاً وعضواً في المنظمات العربية والدولية.. غزو العراق جاء بناءً على خطة محكمة، وأهمها عزله عن محيطه العربي وقد جاء منحة من أمريكا لإيران وبرغبة طائفية لا تخفي تباعدها عن رحمها العربي، لكن عامل الزمن قد يغيّر القناعات لأن الوطنية لا ترتهن وقد شهدنا كيف استقلت الدول العربية من مستعمريها بقوة النضال، والشعب العراقي يستحيل أن يخرج من احتلال إلى استعمار جديد.. مرحلة السبعينات الميلادية وبروز كيسنجر مخططاً للسياسة الأمريكية، وضع خارطة تقسيم لكل العالم بدءاً من الاتحاد السوفيتي وكل الدول الداخلة في منظومة الأحزاب الشيوعية، وقد كان الخليج العربي ضمن قائمته أي خلق شريط نفطي، وإبعاد بقية الأجزاء وتشكيل قوة من الأطلسي، سواء من خلال قواعدها العسكرية الموجودة أو غيرها، لكن يبدو أن هذا الطيش الساذج- وخصوصاً بعد انتكاسات سياسة أمريكا وحيرة كيسنجر بالانتصار العربي عام 1973م على إسرائيل - أدار البوصلة لعمل آخر غير متهور بكل المنطقة.. الآن تُطرح أفكار جديدة قطباها إيران وتركيا كقوتين إقليميتين تجاوران العرب، وأن صفقة تعد بينهما، أي القبول بوجود كامل لإيران في العراق، مقابل خروجها من سوريا لصالح تركيا، وحتى مع رفض أو قبول هذه الخطة فالمطامع الإيرانية أكبر من مقايضة إذ إن سوريا تصل بأهميتها العراق من حيث استراتيجية رسمتها منذ قيام الثورة، ولذلك فهي في حالة الثورة السورية ترمي بثقلها كاملاً بتمرير هلالها الشيعي، ومع ذلك فلو شعرت بسقوط حكم بشار قد تقبل بمثل هذه القسمة.. الحبل طويل، فالصومال معروض بالكامل تمزيقه واقتطاعه بين الجيران وخاصة أثيوبيا، ويبقى نزاع الصحراء بين الجزائر والمغرب ليس مشكلة عداء سياسي، إذا كان البلدان مَنْ يؤسس لمغرب عربي واحد، لكنها المطامع بما قيل عن ثروات فيها، وإلا بأي حق تعارض الجزائر وتنادي بحكومة ودولة مستقلة صحراوية وترفض عودة جزء من الأرض المغربية؟! القائمة تطول ولا تستثني دولاً كبرى أو صغرى، ولعل «سايس بيكو» بدايات لخطط أخرى جرت في فصل الجنوب السوداني عن شماله، وقد تلحقها دارفور وأجزاء أخرى وأمام هذه المخاطر لا نجد خططاً عربية توافقية على حماية أقاليمهم من هذه المشاريع التي طالما تحدثت عنها إسرائيل وأمريكا علناً، وطُبق جزء منها، وأُرجئ الباقي لأزمنة قادمة..