افتتح يوم الخميس الموافق 3/3/1433ه معرض "الحج: رحلة إلى قلب الإسلام" وذلك في المتحف البريطاني بالعاصمة لندن. ومن المقرر أن يستمر العرض ثلاثة أشهر حيث من المتوقع أن يحصد نجاحاً كبيراً من قبل الزوار المهتمين بمعرفة المزيد عن تاريخ الحج وأهميته في حياة المسلم. ومن المميز في هذا المعرض أنه يحاكي الزوار بأكثر من وسيلة، حيث تتنوع المعروضات مابين المجسمات والتسجيلات السمعية والبصرية، بالإضافة إلى عدد كبير من المعروضات التاريخية التي من أبرزها: (مخطوطات مناسك الحج - خرائط طرق الحج القديمة - صور فوتوغرافية للحجاج - مذكرات الرحالة وصور المستشرقين- هدايا الحجاج- منسوجات مذهبة من كسوة الكعبة ومحمل الحج)، وأخرى حديثة تتمثل في عدد من أعمال الفن المعاصر التي عبّر فنانوها فيها عن تجربتهم الروحانية في الحج نذكر منها: عمل مغناطيسية لأحمد ماطر، الطريق إلى مكة لمها الملّوح، الطريق إلى مكة لعبدالناصر غارم، سبع مرات للبريطاني إدريس خان. ويصاحب المعرض عدد من الأنشطة المميزة التي تستمر طيلة الأشهر الثلاثة، ومن أهم هذه الأنشطة قصص قصيرة واقعية سجلها عدد كبير من المسلمين الأجانب تحكي تجربتهم في الحج أو تطلعاتهم للحج في المستقبل حيث خصص المتحف صفحة على موقعه الإلكتروني يستطيع الزوار من خلالها مشاهدة هذه التسجيلات، وإضافة قصصهم الخاصة أيضاً. كما أن من المقرر أن يتاح للزوار المسجلين الفرصة للمبيت في المتحف ليلة كاملة في يومي السبت والأحد الموافقين 12/3/1433ه و 13/3/1433ه، وذلك لعيش تجربة روحانية فريدة من نوعها حيث سيتعلمون المزيد عن الحج كما سيختبرون شعور المبيت ليلاً في المتحف والتجول في ساعات الصباح الباكر دون وجود زوار. ومن الأنشطة السينمائية المصاحبة عرض عدد من الأفلام الشهيرة التي يشكل الحج محوراً رئيساً فيها، ومن أهمها فيلم من إنتاج ناشيونال جيوغرافيك بعنوان "رحلة إلى مكة على خطى ابن بطوطة" الذي سيعرض يوم الجمعة 11/3/1433ه يليه حوار مع مخرج الفيلم. من أعمال ايمن يسري الجدير بالذكر أن المعرض تم تنفيذه في المتحف البريطاني تحت إشراف مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وبدعم من مصرف HSBC Amanah في بريطانيا. وقد استغرق التحضير للعرض مدة طويلة جداً قاربت العامين لاختيار المعروضات والتنسيق لنقلها من ثلاث عشرة دولة حول العالم. إن المعرض بحق نقطة هامة تحسب لصالح المملكة العربية السعودية حيث تجاوز دورها كحافظة للحرمين وخادمة لزوارهما لتصبح المشرفة والمسئولة عن حفظ وتقديم تاريخهما الحضاري والفني بطريقة ترفع بها اسم الإسلام عالياً. (الحاجّة إيفيلين كوبولد والحاج عبدالغفار البغدادي في لندن) اعتبر التصوير الفوتوغرافي منذ بداية ظهوره فنا ذا طابع خاص، فهو لا يسجّل لحظات تاريخية في حياة الإنسان فحسب بل ويعكس مشاعر المصوِّر والمصوَّر في آن واحد. ومن المعروضات النادرة التي عرضت مؤخراً في معرض الحج عدد كبير من الصور الفوتوغرافية التي تجعل المشاهد يسافر معها إلى أماكن وأزمنة لم يكن الوصول إليها ممكناً قبل اختراع التصوير. ولقد كانت بداية دخول التصوير الفوتوغرافي إلى الجزيرة العربية على يد المستشرقين الرحالة الذين جالوا أرجاء الجزيرة وسجلّوا ذكرياتهم بتفصيل لنقلها معهم. ومن المذكرات النادرة المعروضة رسالة وصورة للسيدة إيفيلين كوبولد إلى حفيدها توبي سليدن تحكي فيها مشاعرها في الحج حيث شدت الرحال إليه عام 1933م وهي في الخامسة والستين من العمر لتصبح بذلك أول سيدة بريطانية في التاريخ تؤدي مناسك الحج. كانت بداية معرفة السيدة كوبولد بالإسلام في شمال أفريقيا حيث اعتادت منذ طفولتها أن تقضي إجازتها الصيفية هناك. وقد روت في مذكراتها أنها لا تستطيع تحديد اللحظة التي قررت فيها أن تعتنق الإسلام فبالرغم كونها لم تعلن إسلامها من قبل إلا أنها شعرت دائماً بأنها مسلمة. وقد لقيت مذكراتها الخاصة برحلتها إلى الحج رواجاً كبيراً في أوروبا آنذاك إذ كانت أول من وثّق حياة المسلمات وسط المشاعر المقدسة ودورهن في رحلة الحج الشاقة. ومن المجموعات الهامة المعروضة أيضاً عدد من الصور الخاصة بالمستشرق الهولندي الشهير سنوك هرخونيه، والتي تشهد بتقدم سكان الحجاز آنذاك وحضارتهم الهامة. من بين تلك الصور تبرز صورة ملتقطة عام 1885م لطبيب مكّاوي شهير يدعى عبدالغفار البغدادي. وقد ورد ذكر هذا الطبيب في كثير من رسائل الرحالة آنذاك ومذكراتهم إذ كان من الشخصيات الشهيرة في مكة. وتعود شهرته من الناحية الفنية إلى كونه أول مصوّر فوتوغرافي من أهالي مكةالمكرمة، حيث كانت جميع الصور السابقة لعصره من إنتاج المصورين الزوّار. تعلّم الحاج عبدالغفار التصوير الفوتوغرافي من هرخونيه وتم مؤخراً إثبات نسبة الكثير من الصور التي بعث بها المستشرق هرخونيه إلى بريطانيا للحاج عبدالغفار، حيث ترك لعبدالغفار الكاميرا قبل مغادرته الجزيرة العربية هارباً إثر اتهامه بالمشاركة في سرقة آثار. يظهر الحاج عبدالغفار في الصورة وهو يجلس بطريقة تفيض هيبة ووقارا، وقد زاد من ذلك ارتداؤه ثياب الوجهاء والأعيان، وهو يتكئ على مظلة لعله كان يتقي بها من أشعة الشمس المحرقة في مكة. إن قيمة هذه الصورة ومثيلاتها ترجع إلى كونها شاهدا يذكّر أبناء الجزيرة بأن لهم تاريخا وحضارة عريقة، أعمق مما يحاول بعض الحاقدين إثباته. فليس النفط ولا الثروة الحديثة هي السبب الأساسي في تقدم حضارة الجزيرة، بل هي طبيعة أبنائها المحبين للعلم والباحثين عنه متى تيسرت لهم القدرة على تحصيله. ويكفينا أن نتذكر الطبيب عبدالغفار الذي جمع بين العلم والفن معاً وتعلمهما بدافع ومجهود شخصي في زمن لم تعرف فيه بعد أرض الجزيرة خيرات النفط.