عرف عن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله شغفه الشديد بالتاريخ بشكل عام وتاريخ الجزيرة العربية بشكل خاص، وتعدى اهتمام الأمير بالتاريخ مجرد القراءة - رغم أهميتها - إلى البحث والتحليل والتنقيب والتحقيق. ولعل في القصة التي سأوردها مختصرة هنا ما يؤكد ذلك ويوضحه. أبلغني ذات يوم أحد أصدقائي ممن كان يعمل في إمارة منطقة الرياض أن الأمير سلمان استدعاه ذات يوم ووضع في يده عددا من الصفحات المصورة من أحد الكتب وطلب منه التحقق مما ورد فيها وكتابة تقرير مفصل عن الأسرة التي رويت سيرتها فيها، وطلب مني هذا الصديق المساعدة إن كان لدي ما يمكن تقديمه، فاطلعت على القصة في كتاب «خواطر وذكريات» للشيخ إبراهيم بن محمد الحسون يرحمه الله، فوجدتها مثلما وجدها كثيرون غيري قصة مذهلة لا تكاد تصدق، تتعلق بفتاة لبنانية مسلمة اسمها فاطمة كانت تعمل ممرضة في مستشفى مسيحي في لبنان يعالج فيه مجموعة من المواطنين السعوديين، وقد سمت نفسها ب «روز» حتى يتسنى لها العمل في هذا المستشفى. وشاء الله أن تصاب بالسل عدوى وأن تطرد من المستشفى، لكن شهامة هؤلاء النزلاء السعوديين ووفاءهم وكرمهم تأبى إلا أن يجدوا وسيلة لإدخالها معهم في المستشفى للعلاج مهما كلفهم ذلك الأمر، فاستقر رأيهم على أن يتبرع أحدهم – وكلهم كان يعاني السل من الدرجة الثالثة الميئوس من شفائها- بالزواج منها لتحصل على جواز سفر سعودي ويتم علاجها بوصفها مواطنة سعودية. ويتم ذلك وتشاء قدرة الله سبحانه وتعالى، بعد أحداث درامية طويلة يطول شرحها، أن يشفى منهم الشيخ الحسون والزوج الشهم الذي قبل الزواج وفاطمة نفسها، وأن تنتهي القصة نهاية سعيدة ينتقل فيها الرجل وزوجته إلى منطقة الباحة ويعيشا حياة زوجية رائعة يضرب بها المثل في النجاح الزوجي وبناء الأسرة، فقد كانت متعلمة وعملت ممرضة أو دكتورة كما كانوا يسمونها وخدمت أهالي المنطقة خدمة جليلة وخاصة النساء وارتقت بحياة أسرتها ماديا وتعليميا ومعنويا. إن اهتمام سمو الأمير سلمان تحديدا بتتبع هذه القصة لأسرة سعودية تتبعا تاريخيا يعد مثالا رائعا في دراسة التاريخ الاجتماعي للمملكة العربية السعودية، ذلك التاريخ الذي يعنى بحياة الناس العاديين ودراسة سبل معاشهم، ويدل دلالة واضحة على أن ولاة الأمر -حفظهم الله- في بلادنا يتابعون المجتمع السعودي متابعة دقيقة وراصدة. لقد كشفت لي قصة الأمير سلمان مع روز أمورا عديدة لعل من أهمها ما يأتي: 1- اهتمام الأمير سلمان بقراءة التاريخ الاجتماعي قراءة فاحصة واختيار المصادر الصحيحة المعينة على ذلك مثل كتب السير والتراجم والمذكرات وغيرها. 2- فضوله المعرفي الكبير المتمثل في تتبع قصة هذه الأسرة السعودية ليقف على ماضيها وحاضرها ومستقبلها بوصفها «دراسة حالة « في مجال التاريخ الاجتماعي السعودي. 3- حبه لمكارم الأخلاق التي يدعو إليها ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا وقيمنا العربية العريقة وحرصه سلمه الله على رؤيتها مشاعة في مجتمع المملكة العربية السعودية. 4- استعانته بالمصادر الدقيقة القريبة من الظاهرة أو الحالة التاريخية المدروسة ليضمن تحقق الموضوعية في أقوى دراجتها الممكنة. ولعلي أختم هذه المقالة بالتعبير عن ديني الكبير لسمو الأمير الذي لفت انتباهي آنذاك إلى هذا الكتاب الثري الذي يعد في صميم تخصصي «أدب السيرة الذاتية» وحرضني على التفكير الجاد في كتابة دراسة نقدية مفصلة عنه إن شاء الله. * عميد كلية الآداب جامعة الملك سعود