المرور من بوابة مقابر «المعلاة» في مكةالمكرمة؛ يعني مشاهدة عالم آخر من البشر، حصروا عيشهم في حدود أمتار قليلة ما بين مسجد «الجن» الشهير وجسر «الخريق» -الذي يقطع تقاطع الغزة التجاري المؤدي للحرم المكي-.. وجوه ترتسم عليها المأساة، وأجساد منهكة تغطيها بقايا ملابس بالية، حيث يستجدي مفترشو الأرصفة المشيعين والمتسوقين والمارة للحصول على ما يسد رمقهم.. أحدهم رفض رغبة «الرياض» في مساعدته بالاتصال على الجهات المسؤولة للبحث عن مسكن، أو عمل مناسب، واكتفى ب»أتركوني أنام»!، كما تتبدل الأحوال وتتغير الظروف ويتوارث مفترشو الأرصفة المواقع، وهناك من قضى نحبه على رصيف العزلة، وعادةً ما تكون المخاوف السبب الأول لعدم تفاعل أفراد المجتمع مع مفترشي الأرصفة، حيث يسيطر الخوف منهم لإصابتهم بالأمراض النفسية والعصبية. وكشف «عبيد الله المسعودي» -مدير دار الرعاية الاجتماعية بمكةالمكرمة- أنّ النسبة الأكبر من سكان الأرصفة والشوارع مرضى نفسيون ومتسولون لا يمكن استقبالهم داخل الدار، مشيراً إلى أنّ دار الرعاية أجرت مسحاً اجتماعياً على مواقع تواجد سكان الأرصفة، مؤكداً على أنّ الموضوع يندرج تحت مسؤولية وزارة الصحة، وقد شكلت لجنة حكومية لهذا الغرض تشرف عليها إمارة منطقة مكةالمكرمة. مفترش للأرصفة يسأل المارة التصدق عليه وأوضح «إحسان طيب» -مستشار اجتماعي- أنّه أنشئت أول جمعية مهتمة بمفترشي الأرصفة بجدة، وأنهم بحاجة ملحة للدعم كونها جمعية متخصصة، تطمح إلى توفير الرعاية الشاملة والمهنية للمفترشين، والبحث عن آليات تشركهم في برامج عبر فروع مراكز الأحياء، وإجراء المزيد من الدراسات الاجتماعية الجديدة لمعرفة أطر هذه القضية، وتوسيع برامج وأنشطة الدور المتخصصة من أربطة وغيرها ذات علاقة برعاية هذه الفئة. وشدد «حسن عاشور» -أخصائي وباحث الاجتماعي- على ضرورة أن تحتوى مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية المتخصصة مفترشي الطرقات، كاشفاً أنّ الموضوع يتحول إلى ظاهرة في مواسم الحج ورمضان، وعادةً ما تنتشر في المدن الكبرى؛ حيث فرص الكسب في القوت، مؤكداً على أنّ هناك جمعيات قادرة على طرق مجال الرعاية الإجتماعية وتأسيس دور النقاهة والإيواء، مع أهمية تحقيق الرعاية اللاحقة، وصرف الإعانات للجمعيات المشتغلة بهذه الفئات.