وجوه مختلفة من البشر، تجاهلت كل شيء أمامها وخلفها، واختصرت حياتها في أمتار معدودة فوق رصيف شارع أو داخل زقاق معتم. لم تعد تغريها اهتمامات الناس، ولا بالركض المجنون في الأسواق وشوارع المدينة. نزعوا من قاموس حياتهم مصطلحات العون الاجتماعي يعلمون مع دخول رمضان بالصدفة، ولا يعلمون في أي عام نحن بالتحديد. فقدوا كل اتصال وكل رغبة وطموح وتطلع. حسب منطقهم «يعلمون عن كل شيء ولا يعلم عنهم أحد شيئا». معانٍ أطلقها أبو سعد الكبير ورفاقه الذين لا مأوى لهم سوى أرصفة الشوارع أو البيوت الخربة مشردون من الأعمار والثقافات كافة. بعضهم خرج من سجن أو إصلاحية، وآخرون تركوا منازلهم من غير رجعة. يعيشون بجوار حلقة خضار أومقابر المعلاة. (محمد حسان) هكذا عرفنا اسمه، واحد من سكان الأرصفة المعروفين في حلقة بيع الخضار، تتبدل ملامح الحلقة ويظل هو واحدا من أهم علاماتها إلى الدرجة التي جعلت أكثر المتسوقين يعرفونه. بادرنا حين الاقتراب منه قائلا «لم أعد أعرف طعم رمضان منذ ثماني سنوات فلا طعم أو رائحة لأني أيامي واحدة لا تعرف التغيير، أقضي كل ساعات يومي ما بين ظلال أزقة محلات بيع الساعات في سوق الأمير متعب، وبمجرد أن تغيب الشمس أجد موقعي جاهزا بجوار جامع الحلقة الكبير أفرش فراشي العتيق وأجمع بقايا ملابسي التي أغسلها في دورة مياه الجامع ومن ثم أتناول ما يقدمه أهل الخير لي وأحكي مع بعض الذين يترددونعلي، أما كثير من رفاقي الذين كانوا معي على هذا الرصيف فمعظمهم مات». أما من ذكر بأن اسمه يوسف، فهو كتلة من الأمراض وبقايا أنفاس مشحونة بألم الوحدة على قارعة طريق جسر المسفلة، يقول عدد من رفاقه إنه على هذه الحالة منذ عام وثمانية أشهر، يقضي كل ساعات اليوم متلوٍ على الأرض حتى أنه لا يستطيع الذهاب إلى دورة المياه لقضاء الحاجة. وكانت إمارة منطقة مكةالمكرمة كلفت ست جهات حكومية لمواجهة ظاهرة بروز سكان الأرصفة التي أضحت متجددة وتتسع مساحتها بجلاء حول ساحات الحرم المكي ومقابر المعلاة وتحت جسر السليمانية وطالبت الإمارة سرعة التدخل والرفع بتوصيات اللجنة لتنفيذها. وأوضح عضو اللجنة ومدير إدارة الصحة النفسية في مكة الدكتور طارق البار، أن الصحة جهة علاجية تقدم خدماتها للتشخيص والعلاج فيما تتولى الشؤون الاجتماعية عملية البحث الاجتماعي وتطبيق شروط الإيواء بدور الرعاية. مؤكدا على أن الشرطة هي الجهة الأنسب لحصر سكاني الأرصفة، خاصة أنها تتلقى البلاغات ولديها فرق ميدانية. وأكد البار أن اللجنة أوصت بالرفع للجهات الرسمية بإصدار قرار يلزم أسر هذه الفئة بالإيواء والرعاية. من جهته، أوضح الباحث والمتخصص في الشأن الاجتماعي حسن عاشور أن مواجهة المشكلة تتطلب إنشاء جمعية بدلا من ترك هذه الفئة على قارعة الطريق، خاصة أن دور الرعاية الاجتماعية ترفض هذه الفئة لحالة الاضطراب التي تعتري كثير منهم.