المتابع لما يحدث مؤخراً بمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً في تويتر يرى بأن المجتمع أصبح أكثر توتراً واحتقاناً وبدت تطفو على السطح بين مختلف الأطياف علاقات متوترة للغاية مصيرها المزيد من التأجيج الطائفي والعرقي، وكذلك الفكري إلى حد لا يقبله العقلاء والمعتدلون... فالصراعات لاتهدأ على مدار الساعة وأصبحت كل الأوراق مكشوفة ولا تخفى على أحد، وأصبح الكثير يعمل بأجندة واضحة لخدمة مصالح حزبية تتوافق مع توجهاته وأفكاره، فهذا إسلامي وهذا ليبرالي وذاك علماني والآخر ملحد، بكل جرأة يفوقها الوصف وأمام الملأ...! كلّ يغرد على ليلاه لتحقيق هدف الانتصار على الآخر حتى وإن كانت النتيجية على حساب لحمة هذا الوطن، وكل من يعيش على ترابه! في تويتر، ذهب البعض بكل آداب الحوار إلى الهاوية ومزقوا أطراف الاختلاف إلى التشاجر، وغابت فيه كل الدعوات من العقلاء والمعتدلين وأصحاب الشأن حتى غرقت دعواتهم مع أصوات النشاز العالية، وذلك لتأسيس حوار فكري هادف يجمع ولا يفرق، وأن تستغل هذه المساحة الحرة كمنبر لإيصال الرأي والرأي الآخر بكل هدوء وعقلانية لا بتشنج وحروب طاحنة مآلها الدمار... الملاحظ كذلك هو خفوت صوت مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي كان يهدف إلى التقريب بين وليس الفرقة والتباعد، وأصبح تويتر للأسف هو قبة الحوار العنجهي غير المنظم وتشربت دماؤه بالحوارات البذيئة والسبّ والشتم والتجريح والتكفير، والدعوة الى القتل وإهدار الدم وأصبح منبراً يسيراً لكل المخربين والإرهابيين المندسين، ووسيلة سهلة لدعاة التخريب والدمار للدخول بخفية وبث السموم والأفكار الهدامة! أصبح الوضع هناك لايخدم أهدافنا الانسانية بقدر ما يهدم أساسات التعايش البناء المبني على أسس التسامح والتقارب بين الناس أياً كانوا... في تويتر، شاهدتٌ رموزاً ثقافية ودينية كبيرة تستغل بكل أسف هذه المساحة من الحرية في التعبير بهدف تمرير أجنداتها الخاصة بذكاء وبدون رقيب وتستهدف حصد الآلاف من المتابعين الشباب الصغار في السن للتغرير بهم وترميهم في مستنقع التطرف، وتستخدمهم كأدوات لتمرير أفكارها بعد أن تبث فيهم السموم وتتخلى عنهم من أول سقطة! وهذا بطبيعة الحال يخالف ديننا الإسلامي الحنيف "لمن يدعون أنهم دعاة الإسلام أو الحرية" وهو الذي علمنا التسامح وقبول الآخر، كما أنه يخالف المبدأ الذي قام وتأسس عليه المشروع الثقافي الجديد الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين والذي نبذ فيه الفرقة ودعا إلى الحوار الهادف بعيداً عن التعصب... من هنا وبكل تأكيد لا أدعو إلى غياب حرية التعبير عن الرأي أو إلى التضييق على الناس ومصادرة أفكارهم وحرياتهم أو التشويش عليها بل أرى في تويتر أنه متنفس جيد للحديث عن قضايا ومشاكل كثيرة تهم المجتمع وتخدم مصالحه داخلياً وخارجياً "إذا أحسن استخدامه"، كما أن باب النقد مفتوح للجميع في حدود الأدب والحوارات الهادفة، ولكن يجب أن يكون هنالك إطار عام وخطوط حمراء متفق عليها لا تفرضها السلطة فحسب بل يفرضها قادة الرأي في المجتمع من المثقفين ورجال الدين بشكل غير مباشر وبطريقة تدار فيها الحوارات بشكل بناء، ولا تحدث مشاكل! ولكن ما أشاهده أن "البعض" من هؤلاء هم من أفسحوا المجال في التمادي وبمباركة منهم، بل بتأييدٍ منهم...! أخيراً، أخشى أن يتحول تويتر في المستقبل القريب إلى ساحة معركة متنقلة، وسيصعب حينئذٍ السيطرة عليها طالما أن كلّ قائد رأي غير نزيه يتبعه العديد من الشباب باستطاعته أن يحركهم ببضع كلمات للتهجم والتهكم على آخرين لمجرد أنه يختلف معهم...