الآن ، والآن فقط تفتّقت عبقرية المؤسسة العامة للتدريب المهني وتوصّلت إلى تأكيد المؤكد ، وحسم المحسوم ، وقال المحافظ : " ... رأينا أن الفتيات السعوديات يمكن أن يحللن مكان الأيدي النسائية الوافدة في عديد من المجالات مثل التجميل ، وتصميم الفساتين " وأعلن المحافظ علي الغفيص " ... عن تأسيس أربعين معهداً تقنياً للبنات ، بتكلفة ثلاثة مليارات " ولفت المحافظ " ... إلى أنه من حق الفتيات الحصول على التدريب والتأهيل في المجالات التقنية والمهنية التي يستوعبها سوق العمل " جريدة " الشرق " العدد 62 في 4 / 2 / 2012 . نحترم المسؤول كثيراً عندما يحترم عقول الناس ، ويتعامل مع القضايا الاجتماعية من منطلقات الواقع الحياتي ، والتنموي ، وحق الإنسان المطلق في الحصول على تعليم وتدريب، وبالتالي عمل يجد فيه ذاته وقيمته ومشاركته في العملية الإنتاجية ، دون أن يسوّق هذا الحق بأنه اكتشاف مبهر ، وفكر يصرخ بالمقولة " لآت بما لم تستطعه الأوائل !! " ، إذ إن قضية التدريب المهني مسألة محسومة تماماً للمرأة ، وليست كرماً ، أو منة ، أو إعجازاً من أي جهة ، وكان المفترض والمسلّم به أن تقوم بها منذ زمن بعيد ، بعيد ، غير أنها تأتي لتبشر ، وتمارس الفانتازيا عبر طرح الأمر وكأنه معضلة مرهقة للفكر ، والخطط ، والبرامج واستطاع العقل الرؤيوي أن يضع حلولها في أتون تشابك المعوقات ، ولم يلتفت إلى أن التأخير الزمني في تقديم العطاء هو تقصير ندفع أثمانه باهظة بطالة ، ومعاناة حياتية ، وفقراً ، وتحويلات بالملايين من الدولارات تُستنزف من جيوب المواطنين وموازنات الأسر، وتخلفاً حضارياً ينتجه قصورنا في إعداد المواطن وتأهيله في كل الأعمال ، ومضامين التنمية ، ليخوض تجربته مع العمل المهني بوعي وتدريب وقدرة على الإنتاج ، والتفاعل مع الوثبة التنموية الموجهة للإنسان وعقله ، قبل أن تتوجه إلى المنشآت المادبة . أحسب أن التبشير بتأسيس أربعين معهداً تقنياً للفتيات ليس فتحاً من فتوحات العقل ، ولا نعتبره رؤية متميزة في إبهارها ، بقدر ماهو واجب كان من المفترض القيام به منذ أمد بعيد ، ولو كان ذلك لكانت المشاغل النسائية ، وما يدخل في نطاق الاهتمامات النسوية وهي كثيرة ، كثيرة ، قد سعودت ، وأتاحت فرصاً للعمل واستيعاب العاطلات ، ووظفت فيها رؤوس أموال لسيدات أعمال يبحثن عن منشآت صغيرة يمارسن فيها تواجدهن في الحياة الإنتاجية ، ويوفّرن دخولاً تسهم في رفع مستوى اقتصاديات الأسرة ، بدلاً من عمالة مستوردة غير مدربة . هذا جانب .. أما الجانب الآخر ، فإن على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أن تراجع بصدق ، وشفافية ، ومواجهة مع الذات ناقدة ، كلّ برامجها وخططها ومناهجها التعليمية والتدريبية ، بحيث تقدم لسوق العمل كفاءات مؤهلة ، ومدربة تدريباً حقيقياً ، وتثري مجالات العمل المهني بأيد تمتلك المهارة والوعي.. وتاريخ المؤسسة لايشي بشيء من هذا ، إذ نادراً مانجد خريجاً احتل مكانته مزاحماً للعمالة الوافدة في شتى المهن ، والتخصصات. علينا أن نعرف حقيقة أن الإنسان المدرب أفضل من المتعلم فقط.