تختفي النجوم وتهوي الكواكب ويرحل الطيبون كذلك.. ومؤلم أن يأتيك خبر غياب من تراه كوكباً إنسانياً.. ويكون الألم إذا جاء ذلك مفاجئاً..! كنت أتصفح إحدى الجرائد وإذ بنعي عريض لم يلفت النعي نظري أول الأمر، ولكنني حين عدت إليه أخذني الذهول.. قرأته مرة أخرى في وجل ورعب.. وإذا به نعي العزيز الفاضل عبدالرحمن بن محمد آل الشيخ.. كنت قبل أسابيع أتحدث معه وكان في غاية الحيوية والانشراح كعهدي به وكعهد اصدقائه حين يتحدثون إليه فقد كان - رحمه الله - بشوشاً في حديثه صاحب طرفة ونادرة.. كان على خلق رفيع، كان كريماً شهماً، بل كان من نوادر الرجال ومن يعرفه عن قرب يجد أنه ذلك الإنسان الرائع النبيل لذا كانت الصدمة في نبأ وفاته عنيفة وشديدة ولكن ذلك قدر الله الذي لا مفر منه ولا بد للمؤمن أن يسلم به.. والشيخ عبدالرحمن فوق ما يتمتع به من الخصال الحميدة، والمواقف الشهمة.. كان ملماً إلماماً شديداً بأخبار الوطن وأحاديث ورث ذلك عن والده الشيخ محمد بن عبدالله بن عبداللطيف - رحمه الله - ولذا فإنك تستمتع بأحاديثه ذات البعد التوثيقي فكان دائم الاستشهاد بالأحداث مقرونة بالزمن وأسماء الأشخاص الذين عايشوا تلك الوقائع والأحداث.. وكان الشيخ عبدالرحمن محباً للخير وعمل الخير يشهد بذلك كثير من ذوي الحاجات.. حدثني أحد الأشخاص الذين أثق بهم قال: كنت مع الشيخ عبدالرحمن عند مجموعة من الأصدقاء المتعاملين بالعقار، وتحدثوا عن مساهمة في احدى الأراضي، وظلوا يتناقشون بينهم ولما قرروا الدخول فيها قال عبدالرحمن: اشركوا فلاناً يعنيني قال: فانزعجت وقلقت لأنني لا أتعاطى في العقار وليس لدي المبلغ الكافي، ثم إنني تغافلتهم وخرجت، ونسيت الموضوع.. وبعد سنوات وإذا شخص يتصل بي ويقول أحضر إلى المكتب الفلاني لأخذ نصيبك من المساهمة.. فقلت وأي مساهمة؟ وظننته يمزح.. وتكرر الأمر وبعد تردد ذهبت وإذا بشيك باسمي به مبلغ كبير، وإذا الشيخ عبدالرحمن هو الذي وضع المبلغ من عنده باسمي.. هذا موقف شهم من رجل شهم ونبيل.. والحقيقة انني ما رأيت الشيخ عبدالرحمن ولا التقيت به في الوطن أو خارجه إلا وجدت فيه الرجل السمح، المبتسم البشوش.. وما تحدث إلا ولحديثه طراوة وعذوبة مع ذلك الذكاء والفطنة الفطرية العفوية.. وكنت أرجع إليه كثيراً فيما يتعلق بتاريخ الوطن، والأحداث التي مرت به فأجد لديه إلماما ومعرفة، مدعمة بالشواهد والأدلة أو بأبيات الشعر، ومع هذا فكان زاهداً في حب الظهور أو البحث عن الأضواء.. كان يكتفي بأصدقائه الخلص، وبتلك الأحاديث والمطارحات الراقية الرفيعة، وبتلك الحميمية الصافية الصادقة.. رحم الله أبا محمد قد كان رجلاً نادراً ونبيلاً في زمن شح بالرجال الأفذاذ.. والعزاء لأبنائه وأسرته وأصدقائه وذويه: نُعد المشرفية والعوالي.. وتقتلنا المنونُ بلا قتال.. وإلى جنة الخلد إن شاء الله.