تقول لي انها مرعوبة، ولم أبالِ كثيراً، وعادت تسألني «ركزي معايا» قلت لها ماذا هناك لا أرى أو ألمس شيئاً يدعو للرعب وكما يُقال «الدنيا ربيع والجو بديع قفلي لي على كل المواضيع» قالت بعصبية مفاجئة لا أعرف أين عقلك؟ لماذا لا تشعرين بهموم من حولك؟ ورغم محاولتها استفزازي قلت لها: هاتِ ماذا لديك من التفاهات؟ قالت ليست تفاهة بل همّ، لأنكِ لو ركزت عليّ لاكتشفت ان وزني زاد وهذا في حد ذاته يخيفني، الحقيقة انني من طبيعتي عدم التركيز على الأشياء الصغيرة، والتفاصيل الدقيقة وبالتالي لم ألاحظ، ولم أتوقف، فقلت لها أنا لا أرى شيئاً، وأيضاً لم أرَ ما هو خارق فيك بحكم انني التقيك دائماً، قالت ملابسي بعضها ضاق وبالتالي اتحايل لأبدو كما أنا وان وزني لم يتغير. استغربت قلقها الشديد وتغير مزاجها الحاد لسبب ربما يعتبره الآخرون قلقا ترفيا، وخوفا في غير محله. لأن أسباب القلق الذي أصبح مرض العصر متعددة وبعضها يخيف فعلاً وخاصة تلك الأسباب التي تتعلق بالمعيشة، والأسرة والعمل. والواقع أن البعض يعاني من الصداع الدائم، وآخرين من الصعوبة في النوم، أو فقدان التركيز، أو التواجد في المكان وأيضاً الغياب الذهني عنه، أو تأجيل العمل، أو ازدياد فترات المرض، أو الألم في البطن، أو التغير الحاد في المزاج أو الشعور الدائم بالقلق، أو الاستخدام المفرط للمهدئات أو ثورات الغضب، وأياً من تلك الأعراض تعاني منها فمن المؤكد أنك مصاب بمرض العصر الحديث «القلق». ولا أتصور ان أحدا منا لم يصب بالقلق مع اختلاف الأعراض، والمسببات أيضاً وذلك بحكم ضغوط الحياة اليومية، والمتغيرات، والبعض قد يبدو قلقاً لفترة، وآخرون يعايشون القلق دائماً بحكم طبيعتهم وخوفهم من الفشل أو التوقف. من يعملون قد يصابون بالقلق في لحظة من لحظات الحياة، وقد يقضون بعض الليالي دون نوم خوفاً من عدم الوصول إلى النجاح، أو من فشل مشروع ما، وعدم تحقيقه ما خُطط له. وأحياناً يكون القلق جزءا من العمل نفسه، وجزءا أحياناً من طبيعة الشخص وتركيبته النفسية، ولكن يرى استشاريون متخصصون بأن العمل والقلق ليسا وجهين لعملة واحدة، لأنه من الممكن أن تعمل ولا تقلق. ومن الممكن أن تقلق ولا يكون ذلك شيئاً مخيفاً لأن أغلب البشر يقلقون ولكن بطرق ولحظات مختلفة، وبأسباب أيضاً مختلفة، ونحن نحتاج إلى مسح ودراسات واستطلاعات لنعرف أسباب قلق الإنسان السعودي، وأولويات مسببات قلقة. وأتصور ان ترتيب أسباب القلق لدينا ستكون مختلفة ومتعددة فمن القلق من عدم الحصول على مسكن يؤمن للأسرة المستقبل، إلى ارتفاع مستوى المعيشة وعدم تواؤم بعض الدخول مع متطلبات الحياة إلى الحصول على وظيفة مناسبة، إلى القلق من المرض وعدم وجود التأمين الطبي للكثير من شرائح المجتمع، إلى القلق من العجز عن تأمين ميزانية شهرية، والادخار من خلالها للمستقبل وغيرها من المسببات. في دول كثيرة يقومون بين آن وآخر بمسح استطلاعي لمعرفة احتياجات المواطنين ومشاكلهم وما يقلقهم، ومن تلك الاستطلاعات ما تم في بريطانيا وكشف عما يلي: ثلاثة من كل عشرة بريطانيين أصيبوا بالاكتئاب جراء القلق، وواحد من كل عشرة أثر القلق على علاقته بأطفاله، وواحد من كل عشرين قال بأنه فقد أصدقاءه بسببه. كما أن الدراسة كشفت ان النساء يقلقن أكثر من الرجال، واعترفت واحدة من كل خمس نساء ان الأسباب تتعلق بارتفاع أسعار المنازل، والخوف من الاصابة بالمرض والمعاشات التقاعدية، والأعباء الثقيلة في العمل. فيما عزا ربع البريطانيين أسباب ارتفاع مستويات التوتر لديهم إلى الانكماش الاقتصادي المستمر، واعتبر ثلاثة من بين كل خمسة منهم ان أسباب قلقهم شخصية وتتعلق بمكانتهم. ويهدر البريطاني 36 دقيقة في اليوم قلقاً بما يعني تسعة أيام كاملة كل عام وبما يعادل سنة ونصف السنة خلال حياته، بما يعني ايضاً تعرضه في المتوسط كإنسان عادي لنوبة قلق إزاء أمر ما 7 مرات في اليوم الواحد يبلغ طول كل منها ليس أقل من 8 دقائق. ولخصت الدراسة أهم ما يقلق البريطاني بالترتيب: 1- تكاليف المعيشة، 2- نقص السيولة، 3- التعرض للمرض، 4- الصحة الشخصية، 5- العجز عن دفع فاتورة، 6- نسيان إغلاق باب البيت، 7- العجز عن توفير مبلغ ما للمستقبل، 8- زيادة الوزن، 9- إنفاق الكثير اثناء التسوق، 10- ازعاج شخص آخر. وأيضاً هناك بعض المخاوف الطريفة مثل زحف الشيب على الشعر، واحتمال تعطل نظام التدفئة والانزلاق على الجليد عند الخروج من البيت. ولدينا يضاف إليها القلق من الأقساط المستحقة، ومن عدم وجود وظيفة ملائمة بعد التخرج، ترى هل هناك أسباب أخرى مقلقة ومهمة حتى وإن كانت طريفة؟ من المؤكد فلكل إنسان قلقه وهمومه ولحظات تعامله معها؟