حوالي أحد عشر شهراً ، وقرابة ستة آلاف قتيل ، قضوا من عمر ثورة الربيع السورية .. ومع ذلك لم أكتب حرفاً واحداً عنها ؟ كنتُ في معظم مجريات الأحداث العربية متواجدة بقلمي ولكنني عندما أتيت إلى الحدث السوري توقف قلمي .. وعجز قلبي عن النطق ؟ لماذا ؟ سورية بالنسبة لي ليست مجرد دولة كباقي الدول .. بل هي مهد البدايات وشلال الذكريات الذي يروي قلبي ويغذيه بنسغ الحياة وعبق المشاعر ، هي مرابع الطفولة والصبا ، فيها ولدت وفيها نشأت ، وفيها استقيت ألف باء أبجديات العلم والحياة ، لذلك فمصابها الدامي أمعن بحفر آثاره في الحنايا .. ومازال ! نترقب فداحة ما يجري هناك عبر وسائل الإعلام ، وعبر الهواتف ، يملؤنا الأسى ، ليس فقط لأنها معاناة شعب عربي مسلم وإنما لأن لنا هناك قرابة دم وصلة قربى ، من جهة الأم، نتلقف أخبارهم ونطمئن على سلامتهم وسلامة أحبابهم من كل مكروه ، يدمينا تقرير اليونسيف الذي ذكر أنه حتى هذا الأسبوع هناك 384 طفلا قتلوا بأيادي النظام ، وأن هناك 15 ألف سجين و15 ألف لاجئ .. بالإضافة إلى الستة آلاف قتيل ! ما يحدث في سورية ليس مفاجئاً ، ولا هو صنيعة أياد دخيلة .. وكل من عاش في سورية خلال الأربعين عاماً الماضية يعرف جيداً أن ما يحدث فيها الآن هو أمر حتمي .. وأن النتيجة - أيضاً - حتمية .. ولاشك فيها . فالشعوب مهما طال صمتها على القمع والظلم والاستبداد ، وعلى الفساد بكل أنواعه وسبله ومجالاته ، لابد أن يأتي اليوم الذي يطفح فيه كيلها ويبلغ فيه سيلها الزبى فتنتفض كمارد من قمقم صمتها .. وتثأر لنفسها بنفسها. لك الله يا سوري .. كم تحملت .. وكم صمدت .. وكم هو غال ثمن حريتك ! أمام شموخك الصامد يتكسر صخر الكلام وتتناثر حروفه صمتاً .. وهيبة ! فيا سورية الأبية .. إن صمتتْ حروفنا عن معاناتك فلأن ألسنتنا انشغلت بالتوجه إلى رب العزة ترجوه أن يقف معك ويحقن دماء ابنائك ويحفظ أطفالك ويصون عرض بناتك .. نسألك اللهم يا عزيز يا جبار أن تنصرهم وتمدهم بعون من عندك فلا معين لهم سواك .. كن معهم يا الله فإنهم يستجيرون بك وما خاب من استجار بك .. إنك نعم المولى ونعم النصير .. آمين .