حكومة بغداد لا تخفي حقيقة طائفيتها التي بدأت تتجه نحو تصفية زعامات سنية وأخرى عربية، وقد برز في الأيام الماضية صراع مبرمج بين القيادات، أحد أطرافه المالكي الذي أظهر من خلال تصريح له أنه شيعي أولاً ثم عراقي فعربي، وهي أول مرة نجد رئيس دولة يعلي الطائفة على الوطن، لكن لأن العراق مجال نزاع داخلي وإقليمي، فإيران قال أحد مسؤوليها: «إن العراق ضمن دائرة نفوذها، وكذلك لبنان» وهي لم تصدر من شخص غير مسؤول، وقد جاءت التصريحات على إثر ملاحقة وزراء ورموز في البرلمان والسلطة خارج حزب الدولة مما أبرز على المسرح، خلافاً قد يؤدي إلى حرب أهلية يريد النظام نفسه أن تحدث.. تركيا، ولأول مرة، تدخل حلبة الصراع في بغداد عندما أعلن «أردوغان» أنه لا يمكن السكوت على أي حرب طائفية، والكلام وجه لإيران تحديداً الذي يعد المالكي نفسه، أنه يسير بعجلتها، ولعل زعمه بالنظام الديموقراطي وحفظه ورعايته لمكونات الشعب، بما في ذلك السنّة، هي أعذار لا تتطابق مع الواقع، أي أن عصب الدولة الاقتصادي، والإدارات المحلية، والقوى الأمنية والعسكرية، كلها بيد طائفة المالكي، وحتى الحديث عن الفساد المالي، والمطالبة بحكومات محلية إقليمية، كان شاهداً على القسمة غير العادلة بين أبناء الوطن الواحد، وعملياً، فالعراق الذي يمر بهزات داخلية وتداخل إقليمي بشؤونه، قد يكون نقطة الصدام الأولى بين تركيا وإيران، وكلتا القوتين الإقليميتين، تنظران إلى سقوط الحكم بسوريا، بأنه سيغير كل المعادلات السياسية والأمنية.. فتركيا لا تقبل بجوار غير آمن يدفعها بذلك أنها تتحرك بأفق الشريك المهم والمقبول من كل الدول العربية عدا العراق، وبالتالي أن تكون سنداً للسنّة ضد طائفية إيرانية، هو الذي يدفعها حسم الأمر في دمشق التي تخشى العراق أن تواجه تحالفاً سنياً سورياً، عراقياً، مما قد يفقد المالكي قدرته على بناء دولة شيعية بمواصفات ودعم إيراني.. فإذا كانت إيران لا تلتزم الصمت بخططها ومد نفوذها إلى المحيط العربي كله، فتركيا كقوة إقليمية صاعدة، لديها مبرر ما تراه يخدم مصالحها على المدى البعيد، وتصاعد الخلاف، وتحديداً على العراق، يحدث لأول مرة، وهذا يؤكد أن كل قوة إقليمية تنطلق من مبررات خاصة بها، لكنها ترتكز على قوى خارجية تعزز حركتها.. فمثلما إيران تحتمي بروسيا، والصين، فحلف الأطلسي خلف كل توجه تركي والمعنى هنا أن المنطقة باتت مفتوحة على احتمالات معقدة إقليمياً ودولياً وأحد مراكز الحرب الباردة، العراق ثم سوريا وقد تتالى السيناريوهات إلى حدود أبعد من ذلك..