أثارت قضية الهاكر السعودي "عمر حبيب" جدلاً في الإعلام العربي والمحلي وسببت ذعراً في الشارع الإسرائيلي حكومةً وشعباً بعد أن قام بتسريب بيانات ومعلومات نحو 400 ألف بطاقة ائتمان ونشرها على الانترنت، وأعلن هذا الشاب الصغير والبالغ من العمر 19 عاماً عن استعداده لاختراق المزيد من البطاقات الائتمانية وهدد بنشر بيانات مليون وخمس مائة ألف بطاقة إضافية موجودة لديه ليعلن بذلك حرباً الكترونية من منزله بمدينة الرياض بمباركة والديه، حتى ان الإسرائيلين أنفسهم لم يصدقوا هذا الحدث واتهموا إيران بأنها قد تكون خلف هذا العمل... هي في الواقع قصة مثيرة بكل أحداثها وتبعاتها فمن المعلوم أن اليهود يمتلكون قوة هائلة من الناحية التقنية على مستوى العالم، كما أن لديهم إمكانات كبيرة للتصدي لمحاولات القرصنة الالكترونية، وبالتالي اختراق أنظمتهم البنكية بهذا الشكل المضحك أمر غريب ويفتح لنا أبواباً أخرى للصراع مع العدو غير الصواريخ والجيوش والطائرات الحربية... عند قراءة ردود فعل الشارع العربي والمحلي تجاه القضية وجدت اختلافاً وتبايناً في الآراء، فهناك من أيد الفعل على استحياء وسبب التأييد لأنه ضد عدو محتل "فقط"، ولكنه يرفض المبدأ بحكم أن ذلك يعتبر قرصنة وعملاً إجرامياً ويجب عدم مباركة العمل وتأييده بشكل مطلق حتى لا يكون باباً يستخدم لقضايا أخرى يعتقد أنها ستكون مشابهة... وفي المقابل هناك أشخاص كثر أيدوا العملية وباركوها بفرح وسعادة، أبرزهم الشيخ الدكتور نبيل العوضي حيث أجاز في برنامجه "زوايا" والذي يعرض على قناة الوطن الكويتية، القيام بمثل هذه الأعمال ضد عدو محتل وطالب كل من لديه القدرة والإمكانية للقيام بمثل هذه الأعمال أن لا يألو جهداً في سبيل محاربة الأعداء بوسائل التقنية الحديثة وفتح الباب على مصراعيه... بين هذا وذاك وبلغة المنطق والعقل، أقف شخصياً "في المنتصف" على أن أعمال القرصنة الإلكترونية سلاح ذو حدين بخلاف أنها محرمة دولياً وداخلياً وتعتبر جريمة الكترونية بعرف القانون، وهي باب خطير إذا أسيء استخدامه قد يجلب لنا الكثير من المشاكل ويحرج الدول دبلوماسياً إذا حدثت بهذه الطريقة، فهناك بروتوكولات ومعاهدات مباشرة وغير مباشرة كسرها قد يضعنا في مواجهة غير مرتب لها وتجر إلى مشاكل أكبر من عمل يجتهد فيه أشخاص ومراهقون يضعون فيه دولهم وشعوبهم أمام المدفع! ليست بهذه السهولة أن تتم عمليات قرصنة ضد دول "وإن كانوا أعداء" وذلك بقرارات فردية من أشخاص يعلنون فيها الحرب بالنيابة عن دولهم ليضعوا حكوماتهم وشعوبهم في المواجهة بدون تخطيط ودراسة لأبعاد وعواقب تلك المواجهات! فمن يقرر إعلان حرب إلكترونية على دولة "أياً كانت" كمن يقرر بنفسه إعلان حرب عسكرية ضد أي دولة ويخرج للمواجهة والجهاد بدون ضوابط؟ وأقصد هنا الضوابط الشرعية المطلوبة للجهاد... البعض كما أرى يتعاطف مع هذا الشاب الصغير لاعتبارات عدة، سلبياتها أكثر من إيجابياتها، ولكن يجب أن ننظر للأمور من زاوية أخرى وأن لا ننجرف وراء العواطف لأن المتضرر هو العدو الإسرائيلي فقط! يجب أن نراعي كل الاعتبارات وأن نحفظ مكانة وهيبة الدولة وأن لا نضعها في المواجهة أمام الآخرين حتى لو كانوا أعداءً رغماً عنها وبدون تخطيط... بسبب التصرف الفردي لهذا الشاب قد ندخل في إشكالات واختراقات مماثلة يتضرر منها آلاف السعوديين وتسرق أموالهم وتتعطل لدينا شبكات وتتعطل حسابات وربما يتطور الموضوع لأكبر من ذلك وندخل في حرب الكترونية لا نستطيع مقاومتها لأننا لم نستعد لها ولم ندرس أبعادها أو على أقل تقدير نتهيأ لها... أخيراً، يجب أن أؤكد على أهمية استغلال طاقات الشباب ومواهبهم، فهذا الشاب الصغير سناً والذي قام بهذا العمل الكبير بحاجة إلى جهات راعية تحتضن هذه المواهب وتنميها بدل استغلالها بشكل سلبي، وكما خرج لنا عمر فهناك الكثير من أمثاله يختبئون تحت مظلة الخوف ويمارسون إبداعاتهم بخفية ولكن لا يحسنون استغلالها، لأن المؤسسات المعنية نائمة في سبات عميق ولم تحتضنهم كما يجب...!