الإعلانات التي نشرتها وزارة التعليم العالي عن فرص ابتعاث للدراسة في الجامعات الأمريكية لمستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية تذكرنا بالعصر الذهبي للبعثات السعودية في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي! وزارة التعليم العالي تقدم الآن فرصة الابتعاث في مجالات الطب والعلوم الصحية التطبيقية والصيدلة والهندسة والحاسب الآلي والرياضيات والفيزياء والكيمياء والقانون والمحاسبة والتجارة الإلكترونية.. وهذه المجالات التي أعلنتها الوزارة هي المجالات المطلوبة في سوق العمل في الوقت الحاضر بعد أن تغير واقع السوق منذ حقبة السبعينيات عندما كانت جميع التخصصات مطلوبة وعندما كانت الأجهزة الحكومية تعاني من النقص في الكوادر البشرية الوطنية وتسعى إلى استقطاب أي خريج جديد مهما كان تخصصه! إن الأجيال التي تعلمت في الجامعات المتميزة في أمريكا وأوروبا خلال الستينيات والسبعينيات، هي التي تقود، مع غيرها، عملية التحديث والتنمية في وطننا الآن.. إلا أن وتيرة الابتعاث التي كانت متصاعدة في وقت من الأوقات تعرضت لانتكاسات كثيرة وكبيرة بلغت أسوأ حالاتها بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر وما نجم عنها من انكماش في العلاقات السعودية الأمريكية. ويبدو أن الزيارة الأخيرة لسمو ولي العهد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قد صححت الوضع الذي تضررنا منه كثيراً.. فما من شك أن الجامعات الأمريكية تقف على رأس الهرم في مجال التعليم العالي عالمياً، وانقطاعنا عن التواصل مع التعليم العالي الأمريكي هو خسارة فادحة أصبحنا نرى بوضوح آثارها بعد أن بدأت الجامعات السعودية تفقد أعضاء هيئات التدريس فيها من السعوديين دون أن يكون هناك إحلال للمغادرين.. ومن المؤسف أن الجامعات تشهد انخفاضاً في نسبة السعودة عما كان متوقعاً عندما كانت هذه الجامعات تنفذ برامج ابتعاث للمعيدين بشكل منتظم. أتصور أن لدى وزارة التعليم العالي خطة طموحة للابتعاث من خلال ما توحي به الإعلانات التي تنشر على صفحات كاملة في الصحافة المحلية والتي تتضمن - أيضاً - تسهيلاً للسفر إلى الرياض والإقامة فيها لمن هم من خارج الرياض لإنهاء إجراءات التقديم إلى الابتعاث. إن هذا الاستثمار الذي تقوم به الوزارة في الإنسان السعودي هو - بلا شك - أفضل أنواع الاستثمار.. وأتمنى أن تواصل الوزارة خططها في الابتعاث إلى الخارج.. فيكفي ما حدث من انقطاع خلال السنوات الماضية، وعلينا أن نعوض ما فات!