اشغلت وزارة العمل نفسها واشغلت الرأي العام باقناع الناس بأن حجم البطالة بين السعوديين ليس كما يصوره بعض المراقبين الاقتصاديين والبنوك في تقاريرها. بل هو أقل حجماً من تلك التقديرات بكثير. فبعد تلك الأرقام التي تجاوزت 30٪ أصبح مسؤولو وزارة العمل أكثر تطميناً لنا وأنها نسب لا تتجاوز 20٪ ثم لاحقاً تم تخفيض الرقم إلى أقل من ذلك وربما نسمع في قادم الأيام أنه لا يوجد بطالة بين الشباب وأن ما تردد عن ذلك هي كذبة كبرى أطلقها البعض وصدقها الجميع. ومثل تلك الفروقات الكبيرة والمتباينة هي نتاج طبيعي في غياب مراكز دراسات محايدة. وزارة العمل التي ليس لديها حتى وقت قصير أي آلية علمية لقياس حجم البطالة، بل هي مثلها مثل أي فرد منا يستعين بالتخمين والاعتقاد. حتى اهتدى مسؤولوها إلى معيار واحد من معايير منظمة العمل الدولية التي فسرت بأن العامل العاطل هو الذي يراجع مكاتب العمل وبشكل يومي ولمدة أسبوعين باحثاً عن عمل.. وغير ذلك لا يعتبر عاطلاً عن العمل، وفي حال جعل هذا المعيار الوحيد لقياس حجم البطالة فإن الرقم لا يتجاوز 1٪ لأسباب عدة منها يأس وقنوط البعض وعدم جاهزية مكاتب العمل الفنية والإدارية لاستقبال جموع العاطلين والاهتمام المتأخر بهم وغير ذلك من الذين يعولون على الواسطة أكثر من مكاتب العمل!!! ورغم أن وزارة العمل هي أكثر جدية واهتماماً بعملية التوظيف أكثر من أي وقت مضى وتعمل بتقدير بالغ على إلغاء كلمة بطالة من قاموسنا، إلا أن الشيء غير المفهوم هو حرص الوزارة على تهوين أرقام البطالة ونسف الأرقام التي ذكرتها وحدات البحوث في بعض البنوك ولا تريد أن تعترف بأن هذه الأرقام هي فعلاً موجودة وكأنها أمر معيب أو كأنها هي المتسبب فيه. ولو كانت وزارة العمل فعلاً ترتكز في دفاعها على جهة علمية عالمية محايدة أجرت مسوحاتها وقدمت معها حلولها لكان لوزارة العمل كامل الحق ولكانت أكثر إقناعاً من الأرقام التي أعلنتها البنوك، ولكن أخشى أن تكون الأرقام في تلك الحالة أكثر ما تتوقعه وزارة العمل والبنوك والهيئات الاقتصادية خاصة إذا ضمت نسبة الإناث إلى الذكور وربما يكون رقماً عالمياً جديدا!! معالي الوزير يدرك أن الاعتراف بالمشكلة هي بداية الحل أما تهوينها فمعناها أن الحل سيطول. البطالة موجودة والمجتمع يتحدث عنها طويلاً وافرازات المجتمع السيئة هي بعض نتائجها. وكل هذا لا يلغي جهود وزارة العمل الكبيرة في الغاء هذه الكلمة المحدثة في مفرداتنا «بطالة» أزالها الله.