جرت العادة الحُكم على الشخص من خلال أصدقائه ورفاقه، مع أنّه قد يكون جاهلاً بخبايا من تعرّف عليهم، وقد قِيلَ في هذا الكثير من القصائد والحِكم، وبقيت هذه الأقوال منتشرة وراسخة في عقول البعض، وأحياناً يتم ربطها بذات الشخص "من شفتك تخاوي فلان وأنا غاسلٍ يدي"، وقد يكون خلافاً للحُكم الذي أطلق عليه تماماً، وهذا الأمر أصبح سائداً في المجتمع إلاّ ما ندر.. فهل تحكم على الشخص من خلال صديقه؟. صداقة مؤقتة بداية قال "زياد محمد" إنّ الحكم على الشخص من خلال من يرافقه ظلمٌ كبير؛ لأنّّه قد يرتبط بذلك الشخص لسبب معيّن ولحاجة مّا كزميل العمل أو الدراسة، ومن المستحيل أنْ يقوم الشخص بتغيير مكان عمله أو جامعته لوجود من يَرْفَض المجتمع مُرَافقته، وعند التواجد معه في مكان عام يُحكم عليه بصفات من يرافقه، وهو عكس ذلك. وبيّن "فهد عبدالرحمن" أنّ مرافقة الأشخاص السيئين قد تكون من باب الترفيه والتنويع، وقد لا تستمر هذه المرافقة وقتاً طويلاً، ومن اللامعقول أنْ يُعمم الحكم على الجميع استناداً لعلاقة غير دائمة. أمر متعارف عليه وأوضح "أبو سامي" أنّ الحُكم على الشخص من خلال صديقه بات أمراً متعارَفاً عليه، وفي ذلك أدلة وشواهد علمية، وأقوال وحِكم مأثورة، ولايمكن أن يُرافق ذو الأخلاق العالية والسمعة الطيبة من يضادّه في ذلك، فلن يمكثا طويلاً حتى يؤثر أحدهما في الآخر، وسيكون هناك تعارض وعدم تآلف بينهما. وأيّده في ذلك "أبو أسامة"، وقال:" إنّ المجتمع غالباً ما يحكم على الفرد بتصرفات أصدقائه، فعندما نرى من نعرف حُسْن خُلقه ومعه رفاقه -وإن لم نكن نعرفهم-، إلاّ أننا نهيل عليهم جميعاً عبارات الثناء، بِخلاف الشخص السيئ ومن يصاحبه، فالصديق مرآة لأصدقائه. ثقافة «من شفتك تخاوي فلان وأنا غاسلٍ يدّي»..و«التم المتعوس على خايب الرجاء» تعزل المرفوضين اجتماعياً فكرة مرفوضة ورفضت "أم خلود" فكرة الحُكم على الشخص من خلال مرافقيه، وأنّ الصديق لم يعد مرآةً لصديقه، فأحيانا يضطر الإنسان أنْ يصادق شخصاً لغرض معين وتجبره الأيام والظروف على ذلك، ولا يشترط أن تكون صفاته وأخلاقه تتوافق مع صديقه. ووافقتها "سهى عبدالله" وقالت: "إحدى صديقاتي تعرفت عليها من سنين، ولم أكن أعرف حقيقتها إلاّ بعد مضي وقت طويل، فطيلة الوقت الذي كنت معها لا أعرف عنها سوى ما أراه من دماثة خلق، ولكنني بعد فترة عرفت ما دفعني إلى البعد عنها، ولو أنّ أحداً حكم عليّ بصفاتها وأخلاقها لكان ذلك ظلما لي، ولهذا أنا أرفض فكرة الحكم على الشخص من خلال من يرافقه". العلاقات النسائية لا تستمر طويلاً ولكنها أكثر تأثيراً في النفس معرفة الخبايا وقالت "بدور محمد": "قد لا نعرف حقائق الأشخاص الذين نرافقهم، وبعد فترة نكتشف السوء فيهم ونتركهم، وأرفض الحكم على شخص ارتبط اسمه بصداقة آخر فيه ريبة، لأننا في هذا الوقت لا نعرف كل شيءٍ عن الأصدقاء إلاّ بعد مرور فترة طويلة، والذين يبادرون في سنوات الصداقة الأُولى بالأخلاق الرائعة والتصرفات النبيلة". الصداقة الماضية وقالت "هيفاء البسّام" إن معرفة حقيقة الأصدقاء عادةً ما تكون بمحض الصدفة، أو في بعض المواقف التي تَهزُّ من مكانتهم والاشتباه بهم، ويحكم على الشخص بصداقاته القديمة الماضية، ويكون ظهور أحد الأصدقاء القدامى ومن كانت تربطه بهم علاقة وثيقة وتهربه منهم سبباً في ذلك. الصاحب "ساحب"! وأكدّت "سامية الموسى" أنّ الحكم على الشخص يكون من أخلاقه الظاهرة بغض النظر عن نواياه، ومن المفترض أنْ يَحذر الإنسان من إبداء أيّ سلوك مشبوه؛ كي لا يُظَنُ به سوء فيُحْكَم عليه وعلى أصدقائه، حيث إنّ ما يقوم به حتماً سيكونون معه في ذلك، فالصديق يتأثر بصديقه ويدل عليه، وكما تقول الأمثال القديمة "الصاحب ساحب"، و"قلّ لي من تصاحب أقل لك من أنت". الرجل على دين خليله وقالت "أم يوسف" :في معظم الوقت يحكم على الشخص من خلال رفقائه، وإنَّ من يتمتعون بأخلاق عاليه بعد ارتباطهم بصداقه السيئين فإنه يحكم عليهم بالسوء؛ لأن العاقل من يُحسن اختيار صديقه، ولأنه من السهولة التأثر بالصديق وقد قال الرسول-صلى الله عليه وسلم- "الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"، مشيرةً إلى أنّ بعض الأخلاق لا يمكن أنْ يكتشفها المرء قبل التعرف على صديقه جيداً، مبينةً أنّ أفضل ما قيل في اختيار الصديق ما قاله الإمام ابن الجوزي-رحمه الله- "ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريصا على الدنيا". المتعوس وخايب الرجاء وقال "حمد السهلي" غالباً ما يكون الصديق متوافقاً مع صديقه في تصرفاته وأخلاقه، وقد كان القدماء يرددون عبارة "إلتم المتعوس على خايب الرجاء" إذا ما كان كلا الرفيقين بالمستوى نفسه والأخلاق ذاتها، وأنّ من يرافق الأشخاص السيئين ما يلبث أن يكتشف خباياهم، ويعرف ديدنهم، والعاقل هو من يتركهم، وأمّا من يبقى معهم فسيتم الحُكم عليه بأنّه منهم.