نبحث دائماً عما نعتقد انه الافضل والاحسن ربما نضغط في ذلك على ذواتنا أكثر من أي شيء آخر لأننا نعتقد بطريقة خاطئة اننا نفعل ما ينبغي فعله ومنبع الاعتقاد ليس لأن الفعل الذي نؤديه يجلب لنا السعادة والرضا والقناعة الداخلية، بل لأنه راسخ في اعماق أعماقنا انه التصرف الامثل نحو تكوين صورة مثالية للذات عند الآخر..!! بمعنى أدق نحن (نظلم)ذواتنا كثيراً بهدف ان (نجملها) في عيون الآخرين والذين تعيش في دواخلهم ذات المشاعر والتناقضات بأن تنكر ما تحبه ذاتك بحثاً عما تعتقد ان الآخر يراه هو الافضل..!! كثيرة هي الشواهد وكثيرة هي الاحداث التي نمارس فيها التناقض في وضح النهار وعلى رؤوس الاشهاد مجتمع يظهر ما لا يبطن ويفعل ما لا يعتقد بحاجته هو له بل لأنها حاجة ورغبة منشؤها (خوفنا) المبالغ فيه من ردود الافعال المنتقضة والمتندرة ورغبتنا المتطرفة في درء تهم عن ذواتنا بكل وصف لا يليق وسمة لا نحبها!! تختلف بالتأكيد تلك المدارة من فعل لآخر ففعل نداريه لأنه يتعارض مع منطلقات وثوابت شرعية ولأن البشر الذين يشاطروننا العيش هم شهداء الله في ارضه بشرط الا تتحول تلك المدارة لأن نفعل ما لا نعتقد فمن يصلي وهو لا يعتقد بوجوبها لن تقبل منه ناهيك عن ان المنافقين هم في الدرك الاسفل من النار كما نصت النصوص الشرعية في هذا الامر، فالمدارة (النفاق) في التكاليف الشرعية تخرج عن حديثنا الذي نحن بصدده انا أتحدث عن أنواع من الافعال اليومية - ربما - والتي نفعلها لا لكون قناعتنا بها مرتفعة او اننا نؤمن بجدواها بل لمجرد ان الآخرين يرفضونها ويسقطون فاعلها ربما ليس كواقع، ولكن كتصور داخلي من قبلنا ان الآخرين يرفضون هذا الامر! خذ مثلاً صورتنا الداخلية حينما نكون في بيئتنا التي تربينا وعرفنا وعشنا فيها وقسها في بيئة اخرى نعيشها لبرهة من زمن او بصورة جديدة ثمة أشياء كثيرة تسقط من حساباتنا اليومية فكراً ومعتقداً وسلوكاً لأن البيئة التي اعتقدنا انها تريد ذلك لم تعد تراقبنا والطريف في الامر ان كل افراد البيئة - تقريباً - يمارسون ذات الدور.. اذاً من يخاف من من؟ إن السمات التي يظهر عليها كثير من افراد المجتمع حينما يكونون خارج البيئة التي عاشوا فيها هي السجية والذات الحقيقية.. مهما كان الحلم قاسياً..!! ولذا فالقدماء الذين اشترطوا ان تجرب الصديق في سفر قبل ان تحكم بأهليته كصديق صدوق كانوا يدركون ولاشك هذه الظاهرة في ان الذات لا تظهر على حقيقتها الا في سفر حينما تفارق الرقباء الذين يشاطروننا حياتنا اليومية!! ثمة اشياء كثيرة تفتقدها الذات بسبب ذلك الصراع العنيف الذي تقاتل لأجله بحثاً عن ارضاء الآخر لعل ابرزها من وجهة نظري هي اننا نقتل كثيراً الفرح والسعادة في داخلنا لاعتبارات (العيب) الاجتماعي القاهر..!! ولذا فإن اجمل سنوات حياة كل انسان هي سنوات الطفولة.. بسبب وحيد وهو انه يمارس الحياة وفق سجيته وطبيعته لم يتعود بعد ان يتحمل وينافق الآخر حتى لو قتل لحظات الفرح في داخله..!! والمؤلم احياناً انك تشاهد البعض وقد عمد على قتل تلك السمة الطفولية في وقت مبكر بحجة (الرجولة).. هل من سمات الرجولة ان ننكر ما نحب.. ونفعل ما لا نحب؟؟ في مدن الالعاب والحدائق والمتنزهات تشعر ان كل شيء صنع وابتكر لاجل ان يستفيد منه الاطفال.. وحينما تبحث عن الكبار تجدهم منزوين في ركن ناء بعيداً عن الانظار وكأن مجرد وجودهم هنا ايضاً جريمة يجب ان يحاسبوا عليها وصورة ذلك الرجل الذي استضافه مذيع تلفزيوني في مدينة ترفيهية بصحبة ابنائه وبدأ كأنه يبرر مجيئه معهم بقوله: «تدري العيال توهم مخلصون دراسة وقلنا نرفههم..»!! والسؤال الذي تمنيت ان يسأله إياه المذيع: «وانت..؟ الا تستمتع بالترفيه هنا...»؟ وفي الالعاب في مدن الالعاب الترفيهية لاتجد من يلعب ويمارس اللعب الا من هو صغير في السن واذا وجد من يلعب كبيراص فهو (سيتحجج) بأنه يرغب بمرافقة صغيرة خوفاً عليه.. وربما قد عقد اللثام حول وجهه بحيث لايعرفه احد!! بينما في بيئات اخرى كل الاعمار صغيرها وكبيرها مستهدفون بتلك الالعاب ويمارسونها بصورة طبيعية ودون ضغوط او رقابة من احد. لحظة الفرح حق مشاع للذات خاصة في الحالات المتفردة غير المتكررة كثيراً مانسمع عبارة (ابطير من الفرح).. أو (ودي اطير) وغيرها من العبارات التي تصور حقنا في إظهار الفرح وكأنها أمنية... وليس واقعاً..!! لا انسى صورة ذلك الرجل الكبير في السن والذي أخذ يقفز في الشارع يمنة ويسرة وسط كومة من البشر حينما فاز باحدى جوائز السحب العادية.. طبعاً هذه الصورة ليست في بيئتنا لأن الفائز عندنا يخبئ تلك التصرفات الفطرية حينما يكون بمفرده بعيداً عن اعين الناس حتى لايتهموه بالجنون...!! لاشك اننا مطالبون بتحسين صورتنا وهيئتنا وتصرفاتنا امام الآخرين وهذه من الحقوق التي كفلتها لهم الشريعة التي جاءت بحقين رئيسيين هما حق الله وحق العباد لكن هذه الحقوق المنصوص عليها شرعاً هي مانتمادى في انتهاكه والتعدي عليه كالغيبة والنميمة واساءة استخدام الطريق وعدم المحافظة على الوعود وغير ذلك من التعاليم الشرعية الواجبة للآخر فهذه لأنها تتم بمعزل عن الآخر لانقيم لها وزناً في مقابل حرصنا على التمسك بأن نظهر بالصورة والتصرف التي يرغبها - وهكذا نعقد - الآخر.. حتى لو كان ذلك على حساب ذواتنا..!! ان الحرص على بناء صورة ايجابية عن الذات لدى الآخرين هم جميل ولاشك لكنه يصبح سوطاً نجلد به ذواتنا ان نحن تمادينا في تحديد معايير ماهو صائب او خاطئ..!! بكل سهولة اجزم قولاً ان الصورة التي يعكسها شبابنا او بعض شيابنا حينما يكونون خارج الوطن، إنما هي شعور طاغ بالفكاك من سلطة (الآخر) القاتلة.. حتى في ابسط الاشياء..!!