لا أدري إلى أي مدى يمكن اعتبار الحالة التي وصل إليها الشعر النبطي وهو الجانب السمعي أوالشفهي عيباً ، حسب مايراه البعض ويكرره في مواقف الرفض له كجزء من النتاج الثقافي لأي أمة ، خاصة وأنه وصل بنفس الطريقة التي تشير إليها مصادر وصول الشعر العربي ، والتي تقول: « و على الرغم من كونه منظوماً باللهجة المحكية إلا أنه يكثر في الشعر النبطي الاعتماد على مفردات فصيحة، ويكون ذلك عادة تلبيةً لضرورة الوزن (مثل قول «الذي» و»التي» بدلاً من «اللي»)، وأحياناً لدعم المعنى، والواقع أن الاختلاف الجوهري بينه وبين الشعر الفصيح يكمن في التخلي عن علامات الإعراب في أواخر الكلمات ونطق بعض الحروف، وليس في التراكيب والصرف والمفردات التي لا تزال تشابه الفصحى إلى حد كبير (انظر لهجة نجدية). و على الرغم من طبع عدد من الدواوين النبطية في السعودية والخليج في القرن الماضي، إلا أن الشعر النبطي في الأساس شعر مسموع وصل أكثره إلينا عن طريق الرواية والإلقاء بشكل مشابه للشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام، ولا يزال الاستماع وليس القراءة هو الطريقة المثلى لتلقّي الشعر النبطي لدى المهتمين به.» وإذا كان الشعر الشعبي كائناً ثقافياً يحمل صفاته الخاصة ويكوّن إلى جوار الشعر الفصيح جانباً من جوانبها ، فهذا لايعطي الأحقية لأي كائن ان يرفضه أو يعزله في زاوية الشفهية هذه ، وهو يتقاسم صيغتها مع الفصيح ، ولايبرر ذلك حالة الرفض التي نمارسها تجاهه ، وأعني هنا الرفض النابع من القائمين على الشأن الثقافي والمهتمين بتنميته. ولعل ماكان من إقصاء لحضوره في الفعالية الثقافية وعزل أنشطته وخاصة في ملتقي المثقفين الأخير ، يؤكد هذه الحالة من سوء الفهم لخصائصه وطبيعة وجوده ، فهو يتقاسم الحالة الإبداعية والمضامين الثقافية معه الشعر الفصيح ، ويتضح ذلك في التجربة الحديثة التي نقلته إلى آفاق أكثر اتساعاً من أفق حصره في مجال واحد وساهمت في تطوير لغته ورواه « الشعر النبطي حتى أوائل القرن العشرين يكاد يكون امتداداً لشعر العرب في الجاهلية وشعر أهل البادية في صدر الإسلام، فيكثر فيه استخدام المقدمات الغزلية التي تؤدي بعد ذلك إلى موضوع القصيدة الرئيسي من فخر أو مدح أو حكمة أو نصح، أو وصف، وبدرجة أقل، الهجاء. ويكون أكثر ما يشابه الشعر القديم حينما يحكي عن مفاخر القبيلة وبطولات فرسانها ووقائعهم.أما في الوقت الحالي فقد تخلى عن الكثير من المفردات الأكثر صعوبة، محاكياً بذلك التبسيط والتشذيب الذين لحقا باللهجات البدوية والنجدية عموماً، وأصبح أكثر مشابهة للشعر العامي في البلدان العربية الأخرى. ولأنه هو اللون السائد في الأغاني التجارية في منطقة الخليج العربي، فقد أصبح الغزل يشغل القسم الأكبر من الشعر النبطي في الوقت الحالي، ولكن هذا لا يعني أن الشعر النبطي بصورته التقليدية لم يعد له من ينظم به ، حسب تعريفه في المصادر الخاصة بالحديث عن نشأته. ومن هنا يمكن القول إن علينا فتح فضاء جديد وواع للحوار حوله ووضع النقاط على حروف ثقافتنا التي يدفعها عدم تقبلنا لبعض منجزاتها إلى شطرها وجعلها تعيش في حالة فصام وانقسام دائمين وهي تقبل بمنجز وترفض آخر ، وننسى حينما نهتم بمنجز مادي أن المنجز المعنوي جزء منه وحالة من حالاته وأن غيابه يفرّع النتاج المادي من كل مضامينه الإبداعية والإنسانية.