في كثير من الأحوال نسعد حينما نرمي بالمسؤولية على الآخرين، ونوهم أنفسنا بأن لا علاقة لنا بالأمر، ولسنا شركاء في تحمل هذه المسؤولية، حتى وإن كان مردودها، أو جزء منه سيعود حتما بالفائدة علينا، ولو بشكل بسيط. يوم الاثنين الماضي كان المواطن في كل مكان على موعد، يتجدد كل عام، بصدور الميزانية التي جاءت هذا العام تاريخية في مقدارها ( 690 ) مليار ريال، وتاريخية في تركيزها الواضح على البنى التحتية، وتحقيق كل ما فيه خير ومصلحة المواطن. مبلغ كبير بهذا الحجم لا بد وأن يراودنا التساؤل كيف سيصرف ؟ ومن سيتولى المسؤولية ؟ وهل بالفعل سيخصص ويصرف كل مبلغ وفق ما حددته ورفعته في ميزانياتها الوزارات والقطاعات الحكومية المستفيدة ؟ والد الجميع، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ألقى كلمة ضافية في مجلس الوزراء خلال إقرار الميزانية أوضح فيها أهم القطاعات المستفيدة منها، ونصيب كل قطاع، ولم يقف، أيده الله عند هذا الحد ولكنه استشعر أهمية حمل المسؤولية والأمانة لهذه الميزانية، ومن هنا جاء توجيهه لكافة أصحاب السمو والمعالي الوزراء بالعمل بجد وإخلاص لتنفيذ بنود هذه الميزانية على الوجه الأكمل الذي يحقق راحة ورفاهية المواطنين في كل مجالات الحياة. بعد هذا التوجيه الصريح من القائد انتقلت المسؤولية إلى رئيس كل قطاع في أن يتابع بكل أمانة وإخلاص سير الإنفاق في قطاعه وآلياته، والتأكد من أحقية الصرف، وإنجاز كل مشروع أدرج ضمن المبالغ المخصصة له في بنود الميزانية. دعونا نكون أكثر واقعية وتحملا للمسؤولية ونقول إن كل فرد منا له نصيب في هذا التحمل ، صغر هذا النصيب أو كبر، إن كنا حقا نريد الارتقاء ببلادنا، والاستفادة من المخصصات في الميزانية، ليس في هذا العام، وإنما على الدوام. الأمير، والوزير، وكل مسؤول في قطاع نتفق جميعا على أن لهم نصيبا في حمل المسؤولية والأمانة، ونتفق أيضا على أنهم بدون الآخرين لا يستطيعون عمل كل شيء؛ فالمسؤولية تتدرج في حجمها وأهميتها إلى أن تصل إلى شاغلي المراتب الدنيا. ولكي تتضح الصورة أكثر نجد، على سبيل المثال، أن المراسل في أي إدارة يتقاضى راتبا شهريا مقابل عمله، وهذا الراتب تم اعتماد صرفه من ميزانية القطاع الذي يعمل فيه، وعندما يتوانى هذا المراسل في أداء عمله، ولو كان غير مهم في نظرتنا له، إلا أنه يعني ببساطة أن جزءا من الميزانية لم يستثمر على الوجه المطلوب. والصورة نفسها تنطبق على كل موظف صغرت مرتبته أو كبرت مع اختلاف المبالغ المخصصة لكل واحد، كما تنطبق الصورة أيضا بشكل أكبر على المشروعات والمخصصات الأخرى التي تصل إلى الملايين. نحن بحاجة ماسة إلى التغيير السريع والنمو الأسرع في زمن تلاطمت أمواجه ولا مجال فيه للتراخي عن اللحاق بركب التنمية. لقد قامت الدولة بواجبها وخصصت ميزانية ضخمة للإنفاق على كافة القطاعات، ووجه القائد بتحمل المسؤولية والأمانة، ولكن الدولة لا تستطيع أن تحدث التغيير لوحدها. هذا التغيير، وسرعة ودقة تحقيقه تقع المسؤولية فيه كاملة على عواتقنا نحن المواطنين، كل في مجال عمله. نحن من يحدد متى وأين يمكن أن يتحقق هذا التغيير ، والذي أرجو من الله أن لا يطول انتظارنا له.