كانت الجلسة الثانية من جلسات ملتقى المثقفين السعوديين يوم الثلاثاء الماضي لافتة ومميزة ، بما فيها من مبادرة كان زمامها بيد المرأة، وبما فيها من شكل جعل المرأة تتسيد المشهد، ابتدأت الجلسة بإدارة نسوية يقودها أعلى منصب نسوي في البلاد للمرأة، أديرت من قبل معالي الدكتورة هدى العميل مديرة جامعة الأميرة نورة، التي ظهرت مع المنتديات على المنصة الرئيسية أمام الرجال ،اختارت أن تنظر من وراء حجابها ، فكان لذلك دلالته الرمزية في حرية اختيار المرأة في حجابها ، وأن ذلك لا يحول دون أن تنظر للرجال ، ويسمعها الرجال ، ويرون شكلها المحتجب ،فأخرجت الحجاب من وراء الأسوار ، والجدران العازلة إلى الظهور ، غير حاجب للرأي والفكر ومحاورة الرجل ،فكان بيدها الإذن لمن يتحدث ، وبيدها الإيقاف ، وكم كان ذلك متقبلاً منها وهي توقف من يتجاوز الوقت ليتجلى من ذلك قدرة المرأة على الإدارة والتصرف فيما يوكل إليها من مسؤوليات. مضت الندوة بورقة صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز ، وحين تأتي الأميرة عادلة لتتحدث في هذا الملتقى بعنوان ( التمكين الثقافي للمرأة السعودية ) فإن هذا الأمر يؤخذ منه دلالته التي تستنفر طاقات المرأة الخلاقة ، وتستنهض الطاقات والقدرات المجتمعية للتهيئة لإبداع هذه القدرات ، وإطلاق رسالتها بعد أن أطلقها والد الجميع الملك المستنفر لطاقات إنسان هذه البلاد لصلاح هذه البلاد ، وصلاح الإنسانية ، حفظه الله ورعاه وأجرى الخير على يديه . ما بين مثقف ساكن منغلق ، ومثقف منفتح جاءت ورقة الأميرة حاملة لرسالة والدها، طارحة ضرورة الاستجابة لتوجيهاته بإطلاق طاقات المرأة واستنهاضها عبر التمكين الثقافي الذي عنت به ( أن تتوفر لدى المثقفة وسائل أداء دورها من قبل المجتمع الذي يثق بقدراتها في احتلال مناصب صنع القرار في المؤسسات الإعلامية والثقافية ) حتى إذا انتقل الحديث في هذه الندوة الرائدة إلى الدكتورة لمياء باعشن كان الحديث الموجع عن الإقصاء والتهميش لدور المرأة في ما يظن أنه حضور لها ، وهي قراءة لها مشروعيتها خاصة إذا عرفنا الهدف منها ، الماثل في البحث عن مسار لإطلاق طاقات المرأة بعيدا عن الوصاية ، والاستجابة للمظهر الشكلي ، وإفراغ إرادة إطلاق طاقات المرأة من مضمونها؛ لتخلص من ذلك إلى القول ( كل ما في الأمر أن المرأة المثقفة تريد المشاركة مع المثقفين في ديناميكية العمل الثقافي الوطني ، وتطمع في دعم رسمي من المؤسسة الثقافية كونها مواطنة سعودية ذات أهلية ولها كامل الحق وعليها كامل الواجبات ). أما الدكتورة عزيزة المانع فعرضت للنسق الثقافي ، وضرورة كسر حواجز النسقية التي تعتري نظرة المجتمع للمرأة ، فترى أن ( المرأة لايمكن أن تحقق دورا إيجابيا بارزا في الثقافة مالم يغير المجتمع موقفه الثقافي تجاهها.. لابد أن تكون حاضرة في الصفوف الأمامية تشارك في اتخاذ القرارات وتملك الصلاحيات ، تقف على جانب الرجل وليس خلفه .) ولم تبعد الدكتورة الشاعرة ثريا العريض عن مداخلة النسق ، ومساءلته عن إقصاء المرأة وتهميشها ، واستحضرت في هذا الأنثى وهي تقصي المرأة في ظل هيمنة التفكير الذكوري ، لتكشف عما يخبئه هذا النسق من مواجهة للتحضر الإنساني الذي يستنفر طاقات المرأة ، ويعطيها حقها في كرامة الذات ، وحرية الرأي . حضرت المرأة بأطيافها الرمزية في هذه الندوة ، وصنعت انطلاقتها، وأطلقت تساؤلاتها، وكشفت أنساقا تقاومها لتعلن أن خطواتها القادمة ستسجل حضورها ، وتتأبى على كل مقاومة نسقية في رعاية من استنفر طاقاتها الخلاقة ، صاحب المبادرات في الحوار ، وضرورة التعايش الذي يحترم الحقوق ، ويقود إلى خير الإنسانية خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز .