هذا المؤتمر أو التَّجمع يعتبر أكبر تجمع للاطباء النفسيين في العالم، حيث يحضره مابين 26000 (ستة وعشرين ألف طبيب) وطبيبة عدا العاملين في مجال شركات الدواء وتسويقها وهذا العام كان عدد الحضور 30000 شخص. وهو المؤتمر الأكثر استقطاباً للاطباء النفسيين والعاملين في مجال الصحة النفسية بوجه عام، الأسباب عديدة ومتنوعة، أهمها أن هذا المؤتمر يحظى بأكبر الأطباء النفسيين في مجال تخصصاتهم الدقيقة. حيث هناك أطباء متخصصين في فروع متعددة في الطب النفسي، يكونون متمكنين من هذه التخصصات الفرعية، فالطب النفسي متقدم جداً في أمريكا الشمالية، وبالذات في الولاياتالمتحدةالامريكية، لذا فإن كل طبيب يميل إلى تخصص معين، أو فرع من فروع الطب النفسي يجد بغيته في هذا المؤتمر. الأمر الآخر، وهو التنظيم الدقيق جداً للمؤتمرابتداءً منذ وصول الضيف إلى المدينة التي سوف يقام بها المؤتمر حتى مغادرته، طبعاً لابد من بعض الصعوبات التي تواجهنا نحن القادمون من الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد من المملكة العربية السعوديةو، زميل لنا، طبيب استشاري سعودي ارجعوه من المطار في نيويورك إلى السعودية بسبب انه عند مغادرته آخر مرة دخل بها إلى الولاياتالمتحدة لم يبصم ولم يعمل تصوير لعينيه عند مغادرته.. فكان الرد حاسما تعود على نفس الطائرة التي جئت بها..! وفعلاً اعادوه إلى السعودية!! أمر آخر وهو يحدث كثيراً للمسافرين، وحدث معي هذه المرة وهو فقدان امتعتي الشخصية، نظراً لتنقلي على عدة خطوط حتى وصولي إلى مطار اتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا.. المشكلة أن هذه الامتعةتحوي جهازا خاصا انام به، حيث أعاني من تقطع التنفس أثناء النوم بدرجة كبيرة واضطر أن أنام بهذا الجهاز ليمدني بالاكسجين عندما تنخفض نسبته في الدم أثناء النوم، حيث أعاني من اضطراب معروف من اضطرابات النوم وهو انقطاع التنفس أثناء النوم.. المشكلة أن الخطوط الامريكية لم تعد كما كانت بالاهتمام بالمسافرين خاصة من منطقة الشرق الأوسط وتظل مشبوهاً إلى أن ثبت العكس!! لذلك لم يلق طلبي الاهتمام اللازم من الخطوط الامريكية، رغم شرحي لموظفة الخطوط عن الجهاز وعن الادوية التي استعملها ولكن النظرات تقول ما لا يقوله اللسان!! ورحلت بعد يومين من معاناتي أثناء النوم خاصة مع فارق التوقيت، واضطراب النوم للشخص العادي!! حُلت المشكلة بوصول الامتعة والحمد لله.. ولكنني ادركت النصيحة التي قدمها لي الشاب الكندي الذي عمل لي اختبار اضطراب النوم في الرياض، حيث نصحني بأن احمل الجهاز معي ولا اضعه ضمن الامتعة لأن احتمال ان تفقد سهلاً.. وهذا سوف يسبب لي متاعب.. رغم هذه النصيحة التي عملت بها لأكثر من عام ثم اصبحت اضعه مع الامتعة، حتى اتنقل خفيفاً في المطارات!! أعود إلى المؤتمر هذا العام حيث هناك ملاحظة من حضور المؤتمر، وهو التقتير في حفلات العشاء التي كانت تقيمها هذه الشركات، فالمعروف من هذا المؤتمر هو البذخ والرفاهية للحضور من الأطباء، هذا العام لم يكن الأمر كذلك!! السبب كما شرح لي أحد مدراء شركات الأدوية بأن نقابة المحامين في أمريكا شكت إلى السلطات أن شركات الادوية تنفق ببذخ على الاطباء بمعدل 10000 إلى 15000 دولار سنوياً.. واعتبرت هذا العمل مخالفا للقوانين المهنية، حيث ان هدايا شركات الأدوية للاطباء تؤثر على وصفهم للادوية، وان هذه الافعال تؤثر سلبياً على عمل الطبيب، حيث يميل الطبيب إلى وصف الادوية للشركات الكبرى والتي تستطيع أن تقدم هدايا وأشياء اخرى للاطباء! لذلك كان هذا الشح هذا العام في المؤتمر!! علمياً المؤتمر كان كالعادة، مواضيع جيدة وابحاث جيدة في مختلف التخصصات في الطب النفسي الاعتيادية ولكن هذا العام ظهر تركيز أكبر على علاقة الاضطرابات النفسية بالامراض العضوية الاخرى وكان عنوان المؤتمر«الاضطرابات العضوية النفسية» حيث اتضح أكثر وأكثر الآن علاقة الاضطرابات النفسية والعضوية والتأثير المباشر في الاتجاهين، فالاضطرابات العضوية تقود إلى اضطرابات نفسية والعكس صحيح، المواضيع التي حظيت باهتمام أكبر هذا العام هو الاضطرابات الشخصية، خاصة «الشخصية الحدية» (Border Line Personality) وهي شخصية صعبة التشخيص وكذلك يستغرق علاجها وقتاً وجهداً ويحتاج إلى علاج دوائي وعلاج نفسي، وليس هناك علاج دقيق فاعل في علاج هذا الاضطراب اضافة إلى أن نسبة هذا الاضطراب مرتفعة حسب الدراسات الامريكية فهو يصل مابين 1,8 - إلى 2٪ من السكان، وهذه نسبة عالية لاضطراب مكلف في العلاج والرعاية حيث يعاني الأهل والمريض والمجتمع من هذا الاضطراب، وهناك اهتمام من الحضور بمثل هذا الاضطراب، وليس أدّل على ذلك أن ورشة عمل عن هذا الاضطراب في الساعة السابعة صباحاً في واحدة من أكبر صالات الفنادق الفخمة، وحضرت متأخراً دقائق وإذا بالصالة ممتلئة تماماً وهذا يدل على أن الأطباء والعاملين في الحقل النفسي لديهم شغف لمعرفة المزيد عن هذا الاضطراب والذي بدأنا نعاني منه في المملكة أيضاً وهو فعلاً اضطراب صعب ومزعج والشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب يظل سنوات يعاني ويستخدم ادوية كثيرة ويعاني من الاعراض الجانبية لهذه الادوية اضافة إلى ما يعانيه الشخص في العمل عبر علاقاته الصعبة مع الرؤساء والزملاء، موضوع آخر كان التركيز ايضاً عليه بشكل كبير هو الأرق واضطرابات النوم والادوية المهدئة والمنومة وتأثيرها على النوم والادوية الجديدة لعلاج الأرق وتحسين النوم، كذلك الاضطرابات النفسية عند كبار السن وخاصة مرض الزهايمر الذي حظي بورش عمل متعددة، وأدوية جديدة لعلاج الاضطرابات السلوكية والنفسية في مرض الزهايمر، سنتطرق في المقالات القادمة للعديد من المحاضرات التي القيت في هذا المؤتمر العلمي الكبير!.