«إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن ما كان يصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتابها الكريم وسنة نبيها الهادي الأمين، لكن الابتعاد عن صعيد الإسلام كان العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها الذين يعملون باستمرار وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة. إن عدم التمسك بالعقيدة هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام ويحيط بأمة محمد صلى الله عليه وسلم»، قال هذه الكلمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وذلك في افتتاح المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي. إن ما حدث قبل فترة من تدنيس لكتاب الله عز وجل بل والمجاهرة بتدنيسه لهو من استحلال الحرمات، ومن بغي الكفار وحقدهم الظاهر على الإسلام والمسلمين. وإنه لا يخفى على أحد عظم القرآن الكريم، إذ هو الملاذ عند الفتن وهو المنقذ عند المصائب والمحن. من تركه من جبار قصمه الله. ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله. ومن التمس العز بغيره أذله الله، ومن طلب النصر بدون التحاكم إليه أرداه الله. أيها الاخوة: إننا اليوم في زمن كثرت فيه الفتن وتلاطمت فيه أمواج المحن، واستحكمت فيه الشهوات وكثرت الشبهات، وتعددت المشكلات والتحديات، وكثر دعاة البدع والمنكرات والضلالات. وإنه لا خلاص من هذا كله، ولا رسوخ لقدم ولا أنس لنفس ولا تسلية لروح ولا تحقيق لوعد ولا ثبوت لمعتقد ولا بقاء لأحد، حكاماً ومحوكين، شعوباً ودولاً، رجالاً ونساء، شيباً وشباناً، علماء وعامة، إلا بالاتجاه نحو كتاب الله، بكامل أحاسيسنا ومشاعرنا، بقلوبنا وقوالبنا، تلاوة وتدبراً، وتعلماً وتعليماً، وعملاً وتطبيقاً. إنه وفي عصرنا هذا لتجد اعراضاً عجيباً من كثير من الناس عن كتاب الله تعالى، فهم ولهذا لم يأبهوا كثيراً لما حدث من إهانة للقرآن العظيم، تجدهم أبعد ما يكونون عنه، حتى تعاملوا بالمحرمات، وتلطخوا بالفواحش والمنكرات، كالسرقة والغش والظلم والكذب والغيبة والنميمة وساقط القول، والزنا والربا، وقتل النفس بغير حق وغيرها من المحرمات، ولو أنهم عادوا إلى القرآن ونهلوا من معينه ووقفوا تحت رايته، لتحققت لهم سعادة الدنيا والآخرة ولوجدوا اختلافاً كثيراً. إن من نذر نفسه للقرآن، وعاش مع القرآن حفظاً وتلاوة وتعلماً وعملاً، فسيجد في قلبه - ولا شك - حلاوة تسمو معها روحه، وتصفو معها نفسه، ويطيب بها خاطره. يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: «لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله، وما أحب أن يأتي عليّ يوم وليلة إلا أنظر في كلام الله». وإن مما منّ الله به على هذه البلاد المباركة: حلقات تحفيظ القرآن الكريم والتي ينشأ من خلالها بإذن الله جيل حافظ للقرآن، يعمل بأوامره ويجتنب نواهيه، فلا يكذب ولا يغش ولا يسرق ولا يعصي والديه ولا يؤذي جاره ولا يقتل مؤمناً بغير حق، بل هو صادق أمين بار بوالديه لا يؤذي أحداً، ويحرص على أن يكون خلقه القرآن، اقتداء بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ختاماً: لنعد لكتاب الله تعالى حقه حتى لا يصدق فينا قول الله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} (الفرقان: 30) وليحذر الشاردون عنه والغافلون وليتقوا الله وليعودوا إليه وليعلموا أن قرآننا وحده هو الذي يهدي للتي هي أقوم وهو الذي يثير تساؤلاً: {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون}، فيأتي الجواب صريحاً: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون} فما بال أقوام تركوا القرآن وضعف منهم الإيمان ثم يرجون الأمن والأمان؟ فالله المستعان.