هذه الأسئلة التي تحمل عنوان " السرد ..على الناصية الأخرى " قد تكون تحمل طابع الخفة ، لكن إجاباتها تمنح لذة استكشاف تفاصيل ذاكرة كتاب السرد التي تضيء نافذة للقارئ لكي يستدل على الروائيين والروائيات الذي كان لهم تأثير في تاريخ الرواية . وكذلك يتعرف على مفضلات المبدعين من روايات وعبارات وشخصيات روائية . * من هم الروائيون العظماء الذين كان لهم، في اعتقادكِ، تأثير ملموس في تاريخ الرواية؟ - هو كل من عاش ليروي ، ومن يروي ليعيش ، ليس أمثال غبريال ماركيز فحسب ، بل أمثال من يتنفس الكتابة، ولا يشعر بافراغ عاصفة الغضب ودوامة الحزن سوى فيها ، فيستمر يكتب حتى تصعد روحه إلى السماء، وتتمعن الأعين بحروفه المعذبة في حياته ومماته، ذلك هو الروائي العظيم بنظري، ربما كالدكتور غازي القصيبي-رحمه الله- عندما كتب الزهايمر وهو يحتضر، وهناك عديد ممن يشعر بالأريحية في الكتابة ولا يشعر بالطمأنينة إلا بعد أن يكتب عديداً من الصفحات البيضاء والسوداء والوردية وأيضاً الحمراء. * ما الرواية التي غيّرت مفاهيمك ورؤيتك للحياة؟ - لا أعتقد أن الروايات تستطيع تغيير رؤيتك لمجرى الحياة ، فالمفاهيم لا تتغير إلا بواقع محسوس تراه وتشعر به، وربما أيضاً يصفعك، حينها تستطيع مفاهيمك أن تتغير وترى الحياة بشكل آخر، ولأن الروايات معظمها خيالية أو واقعية ممزوجة بخيال ليست واقعية بحتة. ربما الرواية تحسن من الثقافة اللغوية أو الثقافة العامية في التعامل مع الشخوص القابعين في جوف الحياة، لكن لا أعتقد أن هناك روايات تستطيع تبديل مفاهيمك إلى الأفضل . بالتأكيد هناك مؤلفات مؤثرة كمثل الكتب الفلسفية التي كل ما أنغمست فيها غيرت مفاهيمك وجعلتك تتفكّر أكثر وتتبدل مفاهيمك ربما إلى الأفضل وربما إلى الدرك الأسفل من المساوئ التي تجعل التوتر يستحوذ على عصف ذهنك وأحاسيسك وأفكارك . * ما المشهد الروائي الذي قرأته وتمنيتِ لو أنكِ من كتب هذا المشهد؟ - الاقتباسات هائلة وعديدة بحجم عدد الروايات التي تصدر بالدقائق في الآونة الأخيرة ، لكن من أجمل المشاهد ، هي كلمات ثائرة للروائية أحلام مستغانمي ، التي تشعرك أن للهزيمة طقوس عليك أن تتفنن بممارستها، عندما قالت: ( شيء مدهش أن يصل الإنسان بخيبته وفجائعه حد الرقص! إنه تميز في الهزائم أيضا، فليست كل الهزائم في متناول الجميع.) * ما الرواية التي قرأتِها أكثر من مرة ؟ ماجدولين قرأتها ثلاثة مرات، هذه الرواية تجعلك تطير في السماء لوهلة وتهبط إلى الأرض على الفور من جوف السماء إلى قعر الأرض ، تجعل المناخات تتغير وتختلف مع اختلاف الصفحات، تجعل الدموع تنهمر كشلالات غاضبة تدفعها الرياح من قمة الجبل ، وتارة تجعلك تبتسم وما تلبث ثوان إلا وتعود باكياً غاضباً منهاراً. * من هي الشخصية الروائية التي ما زالت تستحوذ على تفكيرك؟ - شخصية مصطفى في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح ، كان غموضه وهدوؤه وعبقريته، ومجونه يستحوذ على تفكيري وهذا بالتأكيد عائد على قدرة الروائي ليوصل ما في ذهنه بطريقة مثيرة تصل إلى القارئ كما يريد هو ، بممارسة عنصر المفاجأة التي أعتمد عليها. وأيضاً في رواية "أنت لي" شخصية وليد حيث كان تردده، واندفاعه، غضبه، وحزنه، وفرحه، كان يثيرني حقاً ،وتلك الشخصيات الجميلة الرومانسية الحالمة في رواية -أنت لي- والأحداث المتسلسلة وعناصر المفاجأة جعلتني اقرأها بلا تردد-دفعة واحدة- كوجبة شهية ،على الرغم من عدد الصفحات الهائلة التي أعتقد أنها تجاوزت الألف صفحة. * ما العبارة التي دونتها من رواية لأنها أثرت فيك أو شعرت أنها يمكن أن تمثل لك فلسفة في الحياة ؟ للكاتبة المبدعة غادة السمان مقولة :(لأننا نتقن الصمت، حَمّلونا وزر النوايا )، هناك عدد رهيب من الكتّاب الذين يتقنون لغة الحرف وتدوينها بمئات الصفحات لكن من القلة أن تجد من يختصر آلاف الصفحات بجملة واحدة وتفي المعنى ذاته بل على العكس تكون أشد دقة وتأثيراً من الكلمات المطولة ، باختصار هذه العبارة تجعلك تحفظها كاسمك تماماً وتتلذذ بحروفها القوية والجميلة التي تجمع ما بين الوجع والألم والقوة والكبرياء. * من الروائي الذي استحوذ عليك بأعماله في بداياتك، ثم شعرت لاحقاً بأنه لم يعد يستهويك؟ - باعتقادي أنه الروائي بيار روفايل ، معظم اصداراته تلتهمها عيني يومياً مرات عدة وتلوك أسناني حروفها بتلذذ ، كمثل رواية "لن يعود" " خذ قلبي ودعني" "حسناء بغداد" "ماذا فعلت بقلبي"" ظلمتني يا قلبي" "ضاع عمري" "دموع لا تجف" "دموع العذارى" ،رواياته واسترجاع عناوينها تذكرني بلحظات قديمة أشتاقها في هذه اللحظات، هذا الروائي بحروفه الرقيقة لا يشبه سوى البحر بصخبه وهدوئه، أتمنى أن أقرأ له الآن. * من الشخصية الروائية التي تشعرين أنها يمكن أن تمثل رمزاً حياتياً ؟ - كل رواية تؤثر على القارئ وتشده إلى آخر حرف ،وتجعل أبطال الرواية قابعين في قلب القارئ ،حتى وأن كانت الأحداث فوق خط الخيال ،تشعرنا هذه الرواية أن هؤلاء الأشخاص رموز يعيشون بيننا وفينا أيضاً ، نصدق أحاديثهم ونشعر بوجودهم ،لكن الكتب التي أصدقها قبل أن أقرأها هي السير الذاتية بالتأكيد هي الأقرب إلى الحقيقة دائماً. * ما الرواية التي عرفتك على مدينة وأحببت تلك المدينة؟ - أحببت مدينة قسنطينة عندما قرأت ذاكرت الجسد للروائية أحلام مستغانمي ، والمغرب في رواية الجنية ، ونهر النيل في رواية الهجرة إلى الشمال ، وبالفعل عندما يحب القارئ الرواية سيعشق كل ما تحتويها، كالمدينة والشخوص وحتى أسماء الأبطال كما يشعر القارئ برائحة المكان ويرى الأشياء التي يقرأها أكثر من التي يشاهدها في الواقع ، عين الخيال أقوى بفاعليتها من عين الحقيقة. * ما هي الرواية التي ترغبين في أن تشاهديها سينمائياً؟ - بالتأكيد هي ابنتي الوسطى " نيلوفر الماضي الرهيب" متشوقة لرؤيتها على الرغم من الصعوبات التي تواجهنا بسبب قلة الإنتاج وعدم الاهتمام بالأفلام السينمائية المطعمة بنكهة سعودية . * ما هو أجمل نموذج للحب قرأته في رواية ما؟ - رواية "أحببتك أكثر مما ينبغي" للروائية الرائعة أثير العبد الله بحق هذه الرواية في لغتها الشاعرية المستغانمية هي من أجمل الروايات الرومانسية السعودية التي قرأت. ومن الروايات العربية جميع روايات بيار روفايل ، ورواية ماجدولين . * من هو الروائي الذي تمنيتِ أو تتمنين أن يجمعك به لقاء؟ - تمنيت رؤية العديد من الأدباء وفوجئت باختلاف الصورة الأسطورية الملائكية التي طبعتها في ذهني لذلك المؤلف العظيم، من الصعب أن يكون الروائي هو بطل روايته بشخصيته الفنتازية التي رصدتها كلماتها وحروفه وأحداث مؤلفاته في أذهاننا، لذلك أحببت أن أقرأ وأمعن حروفه متجاهلة الأفكار التي تروادني ومتجاهلة كيفية طباع وطقوس ويوميات من كتبها أو كتبتها ، لكي تحتفظ الصورة الجميلة في ذهني أبدا، ولأتشوق لقراءة كل جديد له دون أن تتردد جمله المتناقضة لحروفه في ذاته.